فلاديمير سوروكين : كاتب رواية و دراما ما بعد حداثي روسي ورسام ايضا ، يعد الأكثـر شعبية في الأدب الروسي اليوم . ولد سوروكين في عام 1955 قرب موسكو و اكمل دراسته العالية في معهد عال للنفط و الغاز و تخرج منه مهندسا عام 1977 ، و بعد تخرجه عمل لمدة عام واح
فلاديمير سوروكين : كاتب رواية و دراما ما بعد حداثي روسي ورسام ايضا ، يعد الأكثـر شعبية في الأدب الروسي اليوم . ولد سوروكين في عام 1955 قرب موسكو و اكمل دراسته العالية في معهد عال للنفط و الغاز و تخرج منه مهندسا عام 1977 ، و بعد تخرجه عمل لمدة عام واحد في مجلة " Shift " و لكن تم ابعاده عن المجلة لرفضه ان يكون عضوا في الكومسومول السوفييتي . شارك سوروكين في السبعينات في عدد من المعارض و صمم و وضع الرسوم الداخلية لأكثـر من خمسين كتابا ، و تطورت امكاناته الكتابية وسط الكتاب و الرسامين المنزوين في قاع المشهد الثقافي في موسكو خلال الثمانينات . نشرت له 6 قصص قصيرة في احدى المجلات الباريسية عام 1985 و في السنة ذاتها نشرت له رواية " الطابور The Queue " عن دار نشر " سينتاكس Syntax " الفرنسية .
ترجمت أعماله الى اغلب اللغات الرئيسية في العالم و ساهمت دور نشر عالمية مرموقة في نشر اعماله بضمنها دار نشر " غاليمار Gallimard " الفرنسية . تنتمي روايات سوروكين في العموم الى ما يسمى روايات " الواقع المرير Dystopia" ، و من أهم رواياته : " يوم أوبريتكنيك Day of the Opritechnik " التي تتحدث عن قيصر الكرملين الجديد و عن جدار روسيا العظيم الذي يعزل روسيا عن جيرانها .
هذه مقاطع منتخبة من حوار مع سوروكين أدارته ( كاترين شيميرينسكي ) و ظهر على موقع " BOBLOG " في 9 اب 2013 ، المحاورة كاترين روسية تقيم في كوبنهاغن - الدنمارك و هي حاصلة على الماجستير من جامعة كولومبيا الأمريكية حيث درست الانثروبولوجيا الاجتماعية و الكتابة الإبداعية و هذا مما يعطي الحوار نكهة محببة كون الروائي و محاورته يشتركان في حب الكتابة الإبداعية و يعرفان الكثير عن خفاياها المدهشة ويمتاز الحوار بسخرية مرة وبسالة قول ونرجسية مقبولة.
القسم الثاني من الحوار
× سمعت الناس يتحدثون كثيرا عن أوربا في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية و كونها حقبة تأريخية مثالية اصطبغت بغياب الحروب و تثمين فكرة التكامل الإقليمي الأوربي ، في حين ان ما نشهده اليوم هو موجة من الاستقطاب المتنامي ترافق مع عودة أيديولوجيات القمصان البنية ( إشارة الى طغيان فكر اليمين الجديد New Right الذي ينادي جناح متطرف منه بإحياء التقاليد النازية و الفاشية ، المترجمة ) . هل يحصل أمر مماثل في روسيا اليوم ؟
• روسيا ، بخلاف المانيا ، لم تدفن ماضيها ، فبعد نهاية الحرب العالمية الثانية حفر الألمان حفرة ضخمة و طمروا كل شيء فيها ثم بلطوها بالاسفلت !! . بنى الالمان عالما جديدا تماما بعد حقبة الحرب و المانيا اليوم هي الرجل الأقوى في اوروبا و الأكثر ديمقراطية فيها ، و حتى ناشر اعمالي الفرنسي يقول هذا ،،، تصوروا ان ناشري الفرنسي يقول ان المانيا أكثر بلدان اوروبا ديمقراطية !! تلك إشارة رمزية لا ينبغي اغفالها ابدا . روسيا - على العكس من المانيا – لم تفعل هذا و قد كان لنا فرصة في عهد يلتسين : أعني ابعاد رجال المخابرات السوفييتية KGB و أعضاء الحزب العتيدين عن الجهاز الحكومي لكننا لم نفعل و تشبثوا هم بكل قوة بالسلطة ، و هذا هو السبب لماذا بقيت روسيا على حالها و هاهو الحرس القديم يعود للامساك بزمام الأمور فيها . اذن ما الذي سيحصل مما نتوقعه؟ من جانب نرى كثرة من الشباب الروسي يسافرون الى الغرب و يرون كيف يعيش الناس هناك و من جانب اخر هناك أناس مشبعون بالنزعة السوفييتية الطاغية Homo Sovjecticus و هم من يعتمد عليهم الحكم الروسي القائم اليوم . أن عطالة الماضي السوفييتي و ثقله الطاغي يثبتان كل يوم بانهما عصيان على أي تغيير .
× يسرد أورويل في عمله " لماذا اكتب ؟ " أربعة دوافع للكتابة : حب الذات الخالص ، الحماسة الجمالية ، الدافع التأريخي ، الغرض السياسي . أي من هذه الدوافع تراه صالحا لوصف دافعك أنت ؟
• ( ضحكة ) لطالما كان أورويل صحافيا في اعماقه . أقول ثمة دافع خاص للكتابة يكمن في جمال العملية الأدبية ، فلو اخذنا نابوكوف مثالا أو كافكا او جويس فقد كانوا جميعا مفتونين بالأدب و كتبوا اعمالا تعلم منها الناس الكثير و ربما كان لها تأثير اعظم من تأثير النقد الاجتماعي و الصحافة و حتى الأدب القائم على الاحتجاج و المعارضة المباشرة . ثمة دافع اخر للكتابة : التساؤل ، فكم أرغب في كل كتاب يكتب ان يقوم و يتأسس على سؤال محدد و احسب ان الكاتب لا ينبغي له أن يقدم أجوبة بل ان يطرح الأسئلة ،،، الأسئلة الكبيرة و حسب.
× في عمله المعنون " الاضطهاد و فن الكتابة " يتفحص الفيلسوف السياسي ( ليو شتراوس ) موضوعة لجوء الفلاسفة القروسطيين الى تقنيات كتابية محددة لاضفاء سمة من الضبابية و التعتيم على ارائهم الإشكالية التي كان يمكن ان تضعهم في دائرة خطر مميت ، و هذا ماعناه شتراوس بمفهوم " الكتابة بين السطور " و قد تحدثت انت أيضا كيف كنت تجلس في محطات المترو في موسكو تقرأ رواية اورويل " 1984 " التي كانت ممنوعة من التداول آنذاك . هل لا زلت ترى في " الكتابة بين السطور " امرا مغريا لك ؟
• هذا سؤال خطير للغاية و لو وجه هذا السؤال لي قبل عشرين سنة لاتفقت مع ما قاله شتراوس بالكامل لكنني أفضل اليوم الشفافية الكاملة : فكلما كنت شفافا في طرح اسئلتك كان عملك افضل ، بكلمات أخرى : أفضل اليوم رؤية فراغ بين السطور فحسب !! و هذا هو ما فعلته في روايتي " العاصفة الثلجية " ، و كمثال ليس في استطاعتي اليوم قراءة ( أمبرتو ايكو ) اذا ما اردنا الحديث عن العلاقة بين الفلسفة و الادب لأنني لم أعد مهتما بهرمينوطيقا العمل الادبي بقدر اهتمامي بنوعية العالم الذي يخلقه هذا العمل .
× بالعودة الى فكرة " الكتابة بين السطور " : أ ليست هي ما فعلته انت بالضبط في عملك " يوم أوبريتكنيك " ؟
• نعم بالطبع ، بالتأكيد كنت أكتب بين السطور ( يشير سوروكين الى فجوة كبيرة باستخدام يديه ) . كانت ثمة غرف كاملة بين السطور !! ( يضحك ) .
× بالنسبة الى شتراوس فان ستراتيجية " الكتابة بين السطور " ضرورية في المجتمعات غير الليبرالية . ماذا عن المجتمعات الليبرالية؟
• ستراتيجية " الكتابة بين السطور " كانت شائعة خلال الحقبة السوفييتية بسبب الرقابة الصارمة المفروضة أنذاك حيث أنتهى الكتاب الى ان يقوموا بتشفير كل ما يكتبون الى حد صارت معه فكرة التشفير نوعا من " الذهان " الجمعي الذي يسم كل الطبقة المثقفة ( الانتلجنسيا ) ، و هذا هو السبب الذي يجعلني أقلل من شأن " الكتابة بين السطور " في المجتمعات الليبرالية بعد ان انتفت الحاجة لها تماما . ينبغي للكاتب دوما ان يعلم ما الذي ينبغي قوله و ان يكون قادرا على قوله بوضوح .
× هل تشعر انك قادر على التعبير عما تريد قوله هذه الأيام ؟
• ( تنهيدة عميقة يطلقها سوروكين ) في عملي " يوم أوبريتكنيك " سألت السؤال التالي : لماذا تعتمد السلطات الروسية الحاكمة على كل هذا القدر من العنف ؟ هذا سؤال أراه غاية في الأهمية . نشأت في مجتمع شمولي حيث كان كل شيء مشبعا بالعنف و كنت أرى مظاهر العنف في كل مكان . كان العنف الفيزيائي محض مظهر واحد من مظاهر العنف و لكنه لم يكن بالعنف الأكثر اثارة للذعر ( يشير سوروكين الى رأسه !! ) .
× من بين كل الأمكنة في العالم التي كان يمكن لك ان تستقر فيها ، لماذا اخترت برلين بالتحديد ؟
• المرة الأولى التي زرت فيها برلين كانت عام 1988 حيث ذهبت لبرلين و احببتها كثيرا ( ضحكة ) . برلين مدينة ليست بالصغيرة و لا هي مكتظة بالناس و هي ديمقراطية الى درجة لا تكاد تصدق.
× سؤال أخير : هل يمكنك ان تخبرنا شيئا عن طريقتك في العمل؟
• لو أن ( نابوكوف ) كان قد سؤل سؤالا مثل هذا لطلب الى محاوره الانصراف فورا !! . أرجو ان نفهم ان عملية الكتابة عمل معقد و مركب ، و مع كل ذلك دعني اخبرك شيئا عن كيفية الهامي لكتابة روايتي " يوم أوبريتكنيك " : لدي كلب صغير رائع من نوع Whippet ( كلب يستخدم في السباق ، المترجمة ) و هو كلب رشيق للغاية ، و قد حصل ذات مرة أنني كنت في السوق و رأيت عظمة بقر كبيرة ملطخة بالدم و فكرت انني سأتحايل على كلبي و أشتري له هذه العظمة الكبيرة التي لا تناسبه على الاطلاق !! و انتظرت بشغف لأرى كيف ستكون ردة فعله معها ، و في طريق عودتي الى المنزل رميت العظمة في باحة امام المنزل مغطاة بالثلج و لدهشتي رأيت الكلب يؤدي نوعا من الرقصة الطقوسية السحرية حولها : لم تكن رقصة جميلة فحسب بل كانت تنطوي على أشارة لتهديد ما ، و في ذلك اليوم بالتحديد جلست الى طاولتي و بدأت كتابة روايتي " يوم أوبريتكنيك " ، و تسألينني بعد هذا عن توضيح مناسب لما فعلت؟!!.