2-2
كما ذكرت في عمود الأسبوع الماضي، فإن ما صرح به الناطق الرسمي باسم الأكاديمية السويدية وهو يمدح كتابات الكاتب بوريس باسترناك، جاء متناقضاً مع تصريح سابق له عندما كتب معلقاً في دفتر الملاحظات، بأن باسترناك – الذي مُنع من النشر بعد ذلك في الاتحاد السوفيتي السابق – ينتمي إلى قائمة أولئك الكتّاب الذين منحهم جائزة النوبل من الممكن أن يجد "عند الشعب صداه"، وقول "من الممكن" يعني أن المتحدث لا يتحدث هنا عن قناعة تامة! كذلك ذكرت، أن التقييم هذا جاء متطابقاً مع آراء سابقة للأكاديمية، منذ أن صرح أحد مسؤوليها للمرة الأولى في عام 1946، في تعليق له على كتابات باسترناك، وإذا كان أحد الأسماء على قائمة المرشحين، بأن ليس هناك العديد من الكتّاب الذين "يكتبون كثيراً، ما لا يمكن فهمه"، مثل باسترناك. وللبحث عن السبب الذي جعل الأكاديمية تغير رأيها، لابد من المجيء على الدور الذي لعبه صدور رواية "الدكتور زيفاكو"، والتي تحكي قصة طبيب روسي وحبيبته في وقت الثورة الروسية والحرب الأهلية.
القصة حدثت بالشكل التالي: السيد انديرس أوستلينغ، السكرتير السابق للأكاديمية السويدية، لم يحصل على الرواية مباشرة، إنما كان قد حصل عليها من يد ثانية، لأن الكتاب ظهر للمرة الأولى في عام 1957 وباللغة الإيطالية في دار النشر الإيطالية المعروفة عالمياً: "فيلترينيلي". وما يقوي القصة التي كتبها الصحفي السويدي كاي شويلير بعد اطلاعه على ملفات الأكاديمية، هو ما جاء في كتاب نُشر في موسكو حديثاً يتحدث عن الخلفية التي استندت عليها الأكاديمية في قرارها، والذي يزيل بعض الغموض عن القصة التي سبقت اتخاذ قرار الأكاديمية، مؤلفه إيفان تولستوي، صحفي سابق عمل في راديو الحرية الأميركي في براغ (كان مقر الراديو سابقاً في مدينة ميونيخ الألمانية).
الصحفي الروسي يروي في كتابه "الرواية المغسولة" وبالتفصيل، الكيفية التي قادت إلى نشر الأصل الروسي، والذي كانت الأكاديمية السويدية بحاجة إليه لكي تتخذ قرارها، ليؤكد أن وكالة الاستخبارات الأميركية، السي آي أي فعلت كل ما في وسعها لكي تصور نسخة من المخطوطة بشكل سري، ثم لتسلمها لاحقاً لمنفيين روس في باريس، وهم المنفيون هؤلاء الذين سيبذلون كل ما في وسعهم لنشرها تحت اسم دار نشر "فيلترينيلي" الإيطالية، حتى دون علم دار النشر الإيطالية نفسها. إلى أي مدى وصلت التضاربات في هذه القصة، والتناقضات في الأقوال، أمر سيتم التأكد منه بالتأكيد في الأيام المقبلة عند مراجعة المصادر بعناية؟
أن تكون للاستخبارات الأميركية اليد في نشر الطبعة الروسية في خريف 1957، كان أمر سبق وأن تكهن به قبل فترة طويلة "جيانكومو فيلترينيلي"، أو على الأقل بهذا الشكل روى القصة في كتاب السيرة الذي أهداه الابن إلى أبيه، الناشر الإيطالي الأسطوري كارلو فيلترينيلي.
عندما سمع بوريس باسترناك بخبر حصوله على جائزة نوبل، كان رد فعله في الوهلة الأولى متحمساً. فهو كما صرح في حينه "يشكر بلانهاية، وهو سعيد جداً، وفخور لدرجة الاضطراب"، كما كتب في برقية بعثها إلى الأكاديمية السويدية. لكنه بعد ذلك وبأيام قليلة رفض الجائزة ليُطرد بعدها من اتحاد الكتّاب الروس. "إذا كانت الأكاديمية السويدية تقدم نفسها للجمهور كجهة سياسية"، علق في حينه رئيس الوزراء السويدي "تاغه أيرليندير"، الذي تكهن في حينه النتائج التي ستترتب على الكاتب، "فإنها تقوم بإخراج مسرحية بائسة في الحقيقة". بوريس باسترناك مات بعد سنتين من حصوله على الجائزة. أما الطبعة الروسية الأولى المسموح بها لرواية "الدكتور زيفاكو" من قِبل السلطات الروسية فقد صدرت للمرة الأولى في روسيا عام 1988، بعد ثلاثين عاماً من حصول كاتبها على النوبل!
بوريس باسترناك.. نهاية تراجيدية حقيقية
[post-views]
نشر في: 22 يوليو, 2014: 09:01 م