اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > تحقيقات > أهالي سدة الهندية يدفعون معارك جرف الصخر بالعودة إلى التاريخ

أهالي سدة الهندية يدفعون معارك جرف الصخر بالعودة إلى التاريخ

نشر في: 22 يوليو, 2014: 09:01 م

على بعد كيلومترات قليلة من معارك ضارية تدور في جرف الصخر شمالي غرب الحلة، يحشّد هادي مراد أهالي سدة الهندية بعد الإفطار حول شاشة (داتا شو) ليأخذهم في رحلة إلى تاريخ مدينتهم المليء بالتغيّرات والأحداث والمفعم بالصيد النهري وقيمر الجاموس.   يقول

على بعد كيلومترات قليلة من معارك ضارية تدور في جرف الصخر شمالي غرب الحلة، يحشّد هادي مراد أهالي سدة الهندية بعد الإفطار حول شاشة (داتا شو) ليأخذهم في رحلة إلى تاريخ مدينتهم المليء بالتغيّرات والأحداث والمفعم بالصيد النهري وقيمر الجاموس.

 
يقول مراد الذي يتخذّ النهر العريق والسدة مكاناً لفعاليته إن "إقامة هذه الحلقات الرمضانية في هذا المكان والزمان بالذات هو إصرار على الحياة ورفض للخضوع لإرادة الظلاميين".
ويضيف الرجل الستيني لـ"المدى" أن "استرجاع التاريخ مهم في اللحظة الراهنة وهو رسالة للأحفاد تتضمن الاعتزاز بموروث أجدادهم وأرضهم التي كافح أوائل أهل السدة من أجلها ومياههم التي اصطادوا وشربوا منها".وأمام "عشرات السداويين" الذين تجمعوا تحت المنارة التي عمرّت أكثر من مئة عام تظهر "القفة النهرية" المركب المائي المشهور في المدينة، وخزان المياه في مراحل سابقة، وفرق رياضية، وصيادو أسماك ومزارعون، كل تلك الصور تتدافع على الشاشة بالأسود والأبيض مع ملاحظات وتعليقات حول مناسباتها وتعريفات بها، ومع أن الشباب يحدّقون فيها باستفهام، فأن المسنين يبتسمون ويتهامسون بأحداث ما زالت عالقة في ذاكرة مدينتهم.
27 مدير ناحية
يتابع مراد "نحن نعقد هنا حلقات أسبوعية أسميناها (الذاكرة الحية لسدة الهندية) واخترنا كل يوم جمعة من ليالي رمضان لإقامة حلقة، وتتضمن الملفات التي نستعرضها السيرة الذاتية للمدينة، والأحداث، والمهن، والشخصيات وحتى الإداريين الذين تعاقبوا على إدارة هذه المدينة، البالغ عددهم 27 مدير ناحية بعد أن تحولت السدة من قرية إلى ناحية بأمر ملكي عام 1921"، لافتا إلى "أننا نحاول الآن بهذه الأمسيات الرمضانية أن نعيد لأهل السدة ذاكرتهم في استرجاع سريع للأسماء والصور والأحداث".
وفي الأيام العشرة الأواخر من شهر رمضان مازال أهالي السدة يندفعون بحماس أكبر نحو هذه الحلقات التي يبذل مراد جهدا في إعدادها، ويؤكد منظم الفعالية وهو ينغمس في أوراق سجلها عن ألسنة رجال مسنين من المدينة ووثائق قديمة "لدي إصرار على نقل الحضور إلى عالم آخر وفاء للمدينة واعتزازا بتاريخها ووجدت ترحيبا وإقبالاً واستمررت على هذا المنوال".
ويشير مراد من خلف نظارته إلى الشاشة التي تحلّق حولها "السداويون" كما يسمّيهم إلى أن "هذه الحلقات تناولت ذاكرة المكان والشخصيات والمناسبات، ورأيت تزاوجا ما بين هذه العناوين".
صناعات قديمة
ومن المهم كما يقول مراد، التذكير بـ"فعاليات الري التي تركت فضاء كبيرا لتاريخ السدة وباقي المناطق المجاورة آنذاك، إذ لا يمكن تدوين التاريخ من غير المرور بها، حيث أسهمت في خلق فرص عمل كثيرة، وحوّلت المواطنين من مزارعين إلى عمال"، لافتا إلى أنه "من فوائد السدود أنها تكدّس الأسماك عند بواباتها، ما فتح الباب واسعاً أمام مهنة الصيد التي اشتهر بها أوائل أهل السدة".
وأردف أن "الملفات استعرضت أيضاً المهن القديمة التي اشتغل بها الأجداد وهي من المهن التي انقرض بعضها الآن"، مشيراً إلى أن "أهالي السدة كانوا يعملون في صناعة الطابوق، وصناعة السلية والسنارة والشكافة (وهي أدوات لصيد الأسماك)، وصناعة القفة (مركب مائي من الأعواد على شكل دائرة محدودبة)، كما اشتهروا أيّما شهرة بصناعة القيمر من حليب الجاموس حتى دخل الأغاني ووصل إلى دول أخرى".
سمك وقيمر
يقول مراد إن "سدة الهندية تتميز عن غيرها كونها من المدن السياحية فهي تمتد على نهر الفرات الذي نسميه نهر حياتنا التي هددت بالنهاية مع جفاف النهر"، مشيرا إلى أن "المدينة كغيرها من المدن التي تتأسس على أراضيها سدود فغالبا ما تكون مدنا سياحية منتعشة اقتصاديا وجاذبة للناس، وهذا هو حال السدة في ما سبق إذ يزورها الناس من مختلف مناطق البلاد، وهي منطقة معروفة بسمكها وقيمرها ومناخها المعتدل وطبيعة ساكنيها. وكانوا كبار أهل السدة شهود عيان على تلك الحقبة".
وأكد أن "أهالي السدة الأوائل كانوا معروفون بأنهم حرفيون وأصحاب مهن، لدرجة أنهم كانوا يحتجون على زملائهم ممن يتوظفون لدى الدولة، وهناك أسماء معروفة من ذوي المهن لا سيما الصيادين مطر السماك وحميدي السماك".
وأورد مراد ذكر المحطات الرياضية مستعرضا أهم الفرق والرياضيين الذين أنجبتهم المدينة مقسّماً إياهم عبر حقب زمنية، وقفزت فترة السبعينات كشعلة من النشاط الرياضي حيث خرجت رياضيين أثروا الحركة على صعيد "لواء الحلة" آنذاك والبلاد بشكل عام، كما يؤكد مراد ذلك.
خضير زلاطة وقاسم زوية
يقول منظم الفعالية إن "الفرق هنا كانت تتنافس مع فرق من جميع المحافظات لا سيما فريق أنوار البتاويين من العاصمة بغداد الذي كان يضمّ نخبة من ألمع لاعبي المنتخب الوطني العراقي آنذاك"، مشيرا إلى أن كبار السن في المدينة ما زالوا يتناقلون أحاديث طريفة عن الذكريات الرياضية منها أن "الفرق السداوية كانت تستقبل الخصوم أو الضيوف صباحاً لكي يعملون لهم الغداء من السمك واللبن ويعتبر هذا الطعام ثقيلا على الرياضي فيقومون بما يشبه تخدير الفرق المنافسة ويسهل الفوز عليهم".
ويضيف أن "شخصيات رياضية كانت تحضر باستمرار إلى السدة أمثال بطل العاب القوى خضير زلاطة ولاعب الكرة السابق قاسم زوية".
ولادة سعدي الحديثي 
وعن النشاط السياسي في هذه المدينة أشار مراد إلى أن "عددا كبيرا من العائلات السداوية انخرطت في النشاط السياسي عبر حقب زمنية مختلفة، فقد بقيت المدينة عامرة بهذه الحركات وتوارثت هذه العادة حتى الآن، إذ لم يستقبل أهالي السدة أي مرشح لمجلس النواب هذا العام وقادوا حملات مناهضة للفساد ونقص الخدمات"، لكنه يستذكر حادثة فريدة تتعلق بأحد الفرق الرياضية في زمن نظام صدام الذي "سمّي بفريق نجوم فهد، تيمنا بالمناضل الشيوعي المعروف، وبعد ضغوطات من رجالات البعث، غيّر أعضاء الفريق الاسم إلى شباب الاشتراكية، غير أن هذا الاسم لم يرق للبعثيين، فتم تغييره قسراً إلى نجوم البعث وهو ما قصّر عمر الفريق الذي اتفق الشباب على حلّه".
ولا تبتعد هذه الملفات عن استعراض تاريخ الفن في المدينة والشعراء الذين أنجبتهم واهم الشخصيات التي زارتها، ونوه مراد بين وثائقه إلى أن "فنانين كبار غنوا هنا، حتى أن الفنان سعدي الحديثي قال انه غنى لأول مرة في حياته في سدة الهندية".
ملاحق "المدى"
وعن مصادره التاريخية التي دوّن منها هذه الحلقات الأسبوعية أجاب أنه "بعد الى الاستماع الى شهادات كبار السن في الحوادث والمناسبات التي مرت بالمدينة اعتمدت على ملاحق جريدة المدى التي تورد باستمرار صفحات من تاريخ المدينة وكتب علي الوردي التي وجدت فيها شهادات عن تاريخها".
صيرورة الأيام
وتقفز فوق هذه الحلقات التي تستلهم التاريخ رسالة غير معلنة ودروس مجانية للشباب الذي حضر بكثافة إلى التعريف بحب الأرض ونبذ الطائفية والدعوة الى التعايش السلمي الذي طالما بقي الأجداد محافظين عليه، وهو ما يؤكده منظم الفعالية مشيرا إلى أنه ألمح إلى ذلك في ملفات أسماها "صيرورة الأيام الصعبة وبين الأمس واليوم"، موضحاً أنه لاحظ "حماسة الناس للتطوع في صفوف القوات الأمنية للدفاع عن أرضهم، واللافت أن أجداد عائلات معينة تطوّع ابناؤها الآن، كانوا هم من يقومون قديماً بالنشاطات السياسية عند تقليب صفحات تاريخ أهل السدة، وكأن هذا إرثاً يتداولونه"، كما يعبّر.
وغالبا ما يكون ختام الحلقات عبارة عن هدايا رمزية تقدم إلى كبار أهل السدة ورجال الحقب الماضية الذين يقابلون هذا بفرح لا يعبر عنه سوى الدهشة والدموع.
ومن جانبه يقول المهندس ابو دلال الذي يحضر على الدوام إلى الفعاليات إن "السدة مدينة تمتلك تاريخا كأغلب مدن البلاد، ولا غرابة في ذلك لأن موقعها الجغرافي والمياه وفرت لها هذا، لاسيما أنها تقع بحسب المعطيات الجغرافية في تقاطع خط الطول والعرض بالنسبة للعراق، حيث تمركزت القوات البريطانية فيها طويلا لأهمية هذا الموقع".
لا صوت للأسلحة
وأكد الكثيرون ممن التقتهم "المدى" هناك من الشباب والكهولة أنهم الفوا هذه الفعالية التي أبعدتهم عن أصوات الأسلحة التي تفرقع على بعد كيلومترات منهم شمالاً.
وتعتبر جرف الصخر 60 كم جنوب غرب بغداد التي تجاور سدة الهندية وتتبعان قضاء واحدا وهو المسيب من أخطر المناطق الساخنة في وسط البلاد حيث تمثل منطلق العمليات الإرهابية التي تستهدف الحلة وجنوب بغداد.
وترتبط جرف الصخر بجغرافية منبسطة مفتوحة مع مدينة عامرية الفلوجة في محافظة الأنبار ومع العديد من مناطق الأنبار وتشكل الجناح الشرقي لقضاء الفلوجة وتتصل أيضا بمدن اللطيفية والإسكندرية واليوسفية والمحمودية. أصبحت مستقراً للقاعدة وخاصة من المسلحين الأفغان والليبيين وغيرهم حيث عملوا على تحصين انفسهم وتخزين الأسلحة والأعتدة. وغالبا ما يعلن مسؤولون محليون في بابل ان تأخير تحرير منطقة جرف الصخر يعود إلى الطبيعة الجغرافية لهذه المنطقة، وتمركز وشراسة العصابات الإرهابية.
لكن "السداويين" قرروا تنحية "نشرات الأخبار وأصوات الأسلحة المدوّية والذهاب إلى تاريخ مدينتهم الدافئة"، كما يسميها حسين رحيم قائلاً إن "الرجوع إلى الماضي لا يمثل هروباً من الحاضر بقدر ما يكون استلهاماً للتاريخ لمواجهة هذا الظرف الراهن".
إضاءة
وتتوسط ناحية سدة الهندية التابعة إلى محافظة بابل إدارياً، المسافة بين الحلة جنوبا وغربا وكربلاء شرقاً، وترتبط بقضاء المسيّب الذي يقطع شمالها، مدينة أخذت طابعاً ريفياً مائلا إلى المدنية، تعتز بالمنارة المبنية بالزمن العثماني كتحفة أثرية سجلت لدى دائرة الآثار وتمتلك مشروع خزن الماء المعروف الذي أخذ اسمها "سدّة الهندية"، وهي بهذا أحيطت بالمياه من كل جانب، تتوسطها سوقٌ شعبية حيّة عامرة بالحركة والنشاط.
ولا يمكن نسيان أن الطبيعة ووفرة الماء منحت مدينة السدة فرصة لا بأس بها من السياح، وقد عدت ناحية السدة من نواحي العراق التي امتازت بأنها كانت ميناء للقطارات القادمة من بغداد وإحدى المحطات السياحية، فكان المسافر اليها ينعم بجمال الطبيعة والمناخ المعتدل، وتذكر الروايات التاريخية أن مدينة سدة الهندية نعمت بالتيار الكهربائي منذ عام 1922 إذ سبقت في هذا الشأن مدناً عراقية كبيرة وذلك لحاجة السد للتيار الكهربائي من اجل رفع بواباته وإنزالها.. كل هذا ما ساهم بشكل كبير في نقل شهرة المدينة إلى مناطق البلاد المختلفة.
وتعد المنطقة، إضافة إلى ذلك، من أشهر مناطق صيد السمك وتشتهر ببساتينها الكثيفة ويطلق على احد بساتينها أم الحمام بسبب الأعداد الكبيرة من الحمام التي تعبث فيه، وثمة نهير صغير يطلق عليه المسعودي، ونتذكر هذا الاسم في الأغنية البغدادية القديمة "واكف على المسعودي".

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية
تحقيقات

لا ينبغي ان يحلق في سمائها غير طيور الحباري ..الإرهاب والمخدرات يهددان أمن الحدود العراقية السعودية

 اياد عطية الخالدي تمتد الحدود السعودية العراقية على مسافة 814 كم، غالبيتها مناطق صحراوية منبسطة، لكنها في الواقع مثلت، ولم تزل، مصدر قلق كبيراً للبلدين، فلطالما انعكس واقعها بشكل مباشر على الأمن والاستقرار...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram