منذ خسارة البرازيل أمام المانيا في بطولة كاس العالم ، وصحف البرازيل تخرج كل يوم بمانشيتات وتعليقات وكتابات يعتقد أصحابها ان آثار الهزيمة المخزية لمنتخب بلادهم ستؤثر على حظوظ الرئيسة ديليما روسيف في ولاية ثانية ..ارجوا ان تنتبهوا جيدا لهذه الكلمة " ولاية ثانية " وليست ثالثة ورابعة كما يتمنى البعض ويريد .. وأتمنى عليكم ايضا ان لايذهب بكم الخيال بعيدا وتعتقدون ان الرئيسة البرازيلية صمتت على ضياع احدى جزرها التي في المحيط الأطلسي ..فما خسرته البلاد هو مباراة في كرة القدم اعتبرها البعض تجاوزا على استقرار البلاد وازدهرها ، ولذلك لابد ان تدفع رئيسة البلاد الثمن .. هذه هي أهم القواعد التي تقوم عليها النظم الديمقراطية الحديثة -لا نظم دول الطوائف - هي قاعدة المساءلة ، إذا قتل مواطن او فقد بطريق الخطأ ، وليس قتل وتهجير الآلاف ، فان وزراء الحكومة يذهبون الى بيوتهم غير مأسوف عليهم ، أما اذا تعرض مواطن للإهانة من مسؤول أيا كانت درجته الوظيفية فان على المسؤول ، - وأرجو صادقا ان لا تعتقدون إنني المح الى ضرب وإهانة طلبة بغداد الذين احتجوا على نتائج الامتحانات- ، فان المسؤول يتلقى سيلا جارفا من الاتهامات بالتقصير تقضي على مستقبله السياسي.. أما في بلاد دولة القانون فان سقوط مدن بيد الإرهابيين لا تعني شيئاً، فهي مجرد خبر عادي سيسعى السادة الناطقون والمستشارون للتجهيز على وجه السرعة لحملة وطنية لإلزام الناس بشكر حكومة السيد المالكي على حجم النعم التي يرفلون بها ، وتكثيف البرامج التلفزيونية والندوات والمؤتمرات التي تحث الجماهير على تقديم آيات العرفان إلى الحكومة التي ننعم بظلها بالأمان والخدمات والعدل الاجتماعي والرفاهية .
وأعود معكم الى قصة الرئيسة البرازيلية " ديلما روسيف " التي نقرا في سيرة حياتها انها كانت تحلم في بداية حياتها بان تصبح ربة بيت ، وكان الحلم آنذاك مستحيلا على ابنة مهاجر بلغاري التحقت بصفوف اليسار وناضلت ضد سياسة القمع التي انتهجها الحكم الاستبدادي. وعندما قررت ان تترك العمل العسكري، حلمت بان تجلس على مقاعد السياسيين ، وعندما أصبحت وزيرة للمالية لم تكن تعرف ان الطريق الى رئاسة الجمهورية اصبح سالكا وانها ستصبح في يوم من الأيام اول رئيسة جمهورية في تاريخ بلاد السامبا وبيليه، في مناسبات عدة تحدثت الرئيسة المقبلة او " ام الفقراء " كما يحلو للبرازيليين ان ينادوها عن تجربتها في هذا العالم.
التجربة الأهم عندما انضمت للعمل العسكري تحت قيادة منظمة التحرر الوطني، كان للتنظيم الجديد تأثيره الكبير في الحياة السياسية والشخصية لديلما، فقد ساهمت الشابة المندفعة في النشاط العسكري للمنظمة وعن هذه الفترة تقول " بعد خروجي من السجن حاولت ان ادفع باتجاه ان تتحول المنظمة الى العمل السياسي، فقد قررت هذه المرة ان اختار السياسة بديلا للسلاح "
محطات كثيرة رسمت شخصية "الرئيسة المقبلة "، التي تفتح وعيها الاشتراكي مبكرا، وبعدما اختبرت تجربة السجن والتعذيب في السبعينات، بدأت الفتاة الثورية تتحول إلى امرأة أكثر صلابة، استكملت دراستها في الاقتصاد، لتبدأ رحلة العمل في المؤسسات الاقتصادية، إلا ان التجربة الأهم في حياتها هي لقاؤها بالسياسي البرازيلي إيناسيو لولا داسيلفا الذي سيصبح في ما بعد رئيسا للبرازيل حيث تشهد البلاد خلال فتره حكمة اكبر تحول في تاريخها من دولة مثقلة بالديون الى دولة تعد ثامن اقتصاد في العالم، كانت المرأة الثورية احد المساهمين في هذه النقلة الاقتصادية الكبيرة من خلال إدارتها لبرنامج تسريع النمو الاقتصادي "أنا اقتصادية وعلمتني تجربتي الغنية في ميدان الاقتصاد أن الاقتصاد ليس أرقاماً فقط بل عليه أن يرفع من مستوى حياة الناس".
والآن هل انتهت الحكاية .. تقول الرئيسة البرازيلية لمنافسيها في الانتخابات إنها تتحمل المسؤولية الكاملة عما جرى على ارض الملعب ولن تتهرب من الاعتراف في الفشل ، وأتمنى ان تنتبهوا معي لعبارة " ارض الملعب " لا ارض الوطن .. اما نحن فقد ضاعت الموصل برمشة عين ولانزال نهتف ونغني في الفضائيات عن النصر الموعود ، وعن حكمة القائد الذي يصر على ان كلمة اسف معيبة ولا تليق بالقادة العظام .
ضياع الموصل.. وخسارة البرازيل
[post-views]
نشر في: 23 يوليو, 2014: 09:01 م