لم يجانب الصواب العاهل الأردني وهو يؤكد لمجلس وزرائه أن هناك تحديات أمام الإقليم، لكن تلك حقيقة يعرفها الجميع، وهي لم تنشأ مع الربيع العربي، ولا هي من نتائجه، وليس سراً أن تلك التحديات بدأت مع غزو صدام للكويت، في خطوة هوجاء يقال إنه تلقى الضوء الأخضر عليها من السفيرة الأميركية في بغداد، وانتهت بسقوط نظامه، غير أن ما ولّد العديد من الأسئلة، هو اطمئنان الملك العائد للتو من زيارة لواشنطن، بعد زيارة لها استغرقت عشرة أيام دون أن يعرف المواطن بمن اجتمع، وماذا بحث وعلى ماذا اتفق.
ليس هناك من يعترض على أن الإجراءات العسكرية والأمنية على الحدود قوية وفعالة، لكن القول إنها آمنة ومسيطر عليها تماماً، مع الاستعداد للتصدي لأية محاولات للعبث بأمن الأردن واستقراره، تحتاج لبعض النقاش في ظل إعلانات عسكرية متتالية، عن ضبط كميات من الأسلحة، حاول البعض تهريبها من سوريا إلى الأردن كمعبر إلى فلسطين، ذلك يعني أن الحدود الشمالية للبلاد ليست آمنة، وحين يؤكد الملك الطمأنينة على الحدود والشرقية، فإنه ربما يشير إلى تفاهم مع القبائل العراقية في الأنبار، على حماية الحدود من الجانب الآخر، وكان ذلك واضحاً في المؤتمر المنعقد قبل أيام في عمان، وفيه الكثير من مؤيدي داعش، وإن كانوا غير مؤمنين بغاياتها النهائية، لكنهم يدعمونها للتخلص من الحكومة "الطائفية"، ومعها العملية السياسية العرجاء، المستمرة دون نتائج إيجابية منذ أكثر من عشر سنوات، وعلى أمل أن هؤلاء سيمنعون الحلفاء الداعشيين من الاحتكاك مع مملكة الهاشميين.
هناك بالطبع في ظل انفلات التحليلات، من يتهم داعش بأنها صناعة إيرانية، استخدمها النظام السوري لتشويه صورة معارضيه، ونجح في ذلك، وهناك من يتهمها بأنها صنيعة أميركية، ولدت كنبت شيطاني على جانبي الحدود السورية العراقية، وتحركت في بلاد الرافدين، بعد فشل الرهان على سقوط النظام السوري، بهدف خلق واقع جديد عند تلك الحدود، وبما يربك حليفهما الأقوى في طهران، خصوصاً في المفاوضات حول ملفها النووي، إضافة إلى أن قيام دولة الخلافة يعني استمرار الحالة السورية المرتبكة، ومنع العراق من الانضمام لحلف المقاومة والممانعة ، صحيح أن دولة الخلافة غير مؤهلة للاستمرار والبقاء لانتفاء الحاضنة الشعبية على المدى البعيد، حتى داخل الطائفة التي يدعون تمثيلها، فالمشاعر الوطنية رغم نشوئها ضمن حدود سايكس بيكو، ترفض سيطرة الغرباء، خصوصاً القادمين من خارج العالم العربي بأجندات بدأت محددة الأهداف، غير أن ظلاميتهم وتخلفهم الفكري، وشعورهم بالقوة والانتصارات التي أحرزوها، دفعتهم للتجاوز على كل معقول ومنطقي، وصولاً لنسف قبور الأنبياء، والإفتاء بضرورة تغطية ثدي البقرة كونه مصدر إغراء وفتنة، لكن ما يجب أن يدركه صانع السياسة في عمان، أن الحدود الأردنية مع العراق لن تظل آمنة، بغير وجود حكومة قوية وقادرة في بغداد، تحظى برضى شعبها، بكل طوائفه ومكوناته العرقية والطائفية.
وبعد، لا الاعتماد على وعود واشنطن، ولا الثقة بالقبائل العراقية، هو الضامن لأمن وأمان الأردنيين، إنما هو بناء جبهة داخلية قوية، لن تبنى بوعود توفير المياه للعطاش وهم كثيرون.
جميع التعليقات 1
farid mohamad
السيد حازم هذا الأمر فات أوانه لان اللعبة السياسية العرجاء وقبطانها لم يكونوا بالمستوى الذي تؤسف الناس عليهم أحياء أم اموات لقد أضروا بالعراق ماضياً وحاضراً ومستقبلاً فعلما هذه(الدوخة) من نفس الطاس والحمام لابد من التغير وأحداث تغيراً ولو كلف دماً أضافياً