واضح ومؤكد أن أزمات لبنان إلى تزايد وتعقيد، بعد أن أبلغ الدكتور جعجع حلفاءه بعدم موافقته على تمديد جديد لولاية مجلس النواب، قبل انتخاب رئيس للجمهورية، وهو بذلك يتخذ نفس موقف غرمائه في تيار الجنرال عون، الذي سبق وأكد غير مرة رفضه التمديد للبرلمان، ودعا إلى إجراء انتخابات نيابية وفق قانون انتخابي جديد، على أن يليها فوراً انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ذلك يعني التصادم مع رغبة قوى سياسية كثيرة، بعدم الوقوع في مطب الفراغ البرلماني بعد الرئاسي، وترك الأمور بيد الحكومة التي ستكون المؤسسة الدستورية الوحيدة القائمة، وهي عملياً تعمل تحت شروط غير مسبوقة، حيث يفترض أن ينال أي قرار تتخذه موافقة أعضائها جميعاً، واعتراض وزير واحد على أي قرار سيؤدي إلى تجميده، ذلك أنها تمارس "مجتمعة" صلاحيات رئيس الجمهورية المخول بتوقيع القرارات والقوانين.
في حال إصرار الحزبين، على عدم التمديد لمجلس النواب، المُمدد له من قبل لمدة 17 شهراً تنتهي أواخر تشرين الثاني المقبل، فإن من الصعب، إن لم نقل المستحيل السير بهذا التوجه، وعلى أساس ما يقضيه العرف المتبع منذ حوالي عشر سنوات، بعدم اتخاذ أي قرار سياسي رئيسي، في حال عارضته غالبية كبيرة في أي طائفة مراعاة للميثاقية بين الطوائف، والمفروض بحسب قانون الانتخابات النيابية أن يوجه وزير الداخلية الدعوة إلى الهيئات الناخبة في 20 آب لانتخاب مجلس جديد، أما إذا لم ينتخب رئيس للجمهورية، ولم يمدد لمجلس النواب، أو تحصل انتخابات نيابية جديدة قبل ذلك الموعد، فإن لبنان سيصير دولة تفتقد أهم مؤسستين دستوريتين، رئيس الجمهورية ومجلس النواب، علماً بأن معظم النواب المسيحيين يؤكدون استحالة إجراء الانتخابات النيابية في هذه الظروف، لعدم الاتفاق على أي قانون تجري على أساسه، وأنه في حال اكتمال النصاب في البرلمان للتمديد، فانهم سيصرون على أن يأتي ذلك بعد انتخاب رئيس الجمهورية، لكون المجلس النيابي وبحكم تمديد فترته، تحوّل إلى هيئة ناخبة لا يمكنه التشريع قبل انتخاب رئيس.
كبير النواب نبيه بري، وبعدما بدأ بعض السياسيين الحديث علناً عن التمديد للمجلس النيابي، فاجأ الجميع برفضه ذلك، مشدداً على أنه غير وارد، وأن الأولوية هي لانتخاب رئيس للجمهورية، ليس لأن الواجب الدستوري يحتم ذلك، وإنما لضمان استقرار الوضع الداخلي، في منطقة يرى بري أنها لن تنعم بالاستقرار في المدى المنظور، ما يقتضي أن يكون على رأس الدولة والبلاد والمؤسسات الدستورية رئيس للجمهورية، لإمرار هذه السنوات في هدوء، ريثما يتحقق أمر ما، يترافق مع كل هذا جهود يبذلها بعض الساسة، للاتفاق على تأييد مرشح جديد لرئاسة الجمهورية، يتجاوز ثنائية عون وجعجع ، فيما يسعى آخرون للتمديد لمجلس النواب، وتفعيل عمل الحكومة، إدراكاً منهم لصعوبة انتخاب الرئيس، ما دامت المواقف الإقليمية على حالها، وما دامت طهران تدعم موقف ذراعها اللبناني المُعطّل لهذا الاستحقاق، وترفض التراجع عن هذا الموقف دون أثمان يبدو أن لا أحد مستعد لدفعها.
يأتي ذلك كله في إطار المماحكات التي اشتهر بها ساسة لبنان وأتقنوها، دون أن ينتبه أي منهم إلى خطر الإسلام السياسي الذي يدق أبواب وطن الأرز، ولعل بيان ما يسمى بـ"لواء أحرار السنة – بعلبك" الذي حذر المسيحيين في البقاع، معلناً الانتهاء من الإعداد لعمليات تهدف إلى تطهير إمارة البقاع من المسيحيين، وأن ساعة الصفر تقترب، ودعاهم إلى الخروج من المنطقة لأن الوقت يداهمهم، خير دليل على ذلك الخطر الماحق، والذي تحتاج مجابهته وهزيمته إلى عقليات غير السائدة اليوم في المشهد السياسي اللبناني.
لبنان وتوالد الأزمات
[post-views]
نشر في: 3 أغسطس, 2014: 09:01 م