TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بندول الضحك والنسيان

بندول الضحك والنسيان

نشر في: 4 أغسطس, 2014: 09:01 م

أن تضحك لا يعني أنك سعيد.
السعادة شعور داخلي والضحك تعبير خارجي. أما النسيان فموقف.. لكنه موقف قابل للتغير والتغيير. يحدث أن تُرتكبَ جريمةٌ تهز الأرض تحت أقدام الوطن لتتلوها جريمة أقلّ منها قسوةً لكنها تمحو سابقتها، وهكذا تتوالى الجرائم والأحداث العصيبة ليمحو التالي من سبقه من ذاكرتنا فننسى، هكذا يصبح النسيان، موقفاً، قابلاً للتغير والتغيير، ويحدث أن ننسى النسيان نفسه ونتذكر بالضد من انتقائية الذاكرة.
هكذا محت جرائم الاحتلال الأمريكي وحكومته المحلية جرائم صدام حسين وأسقطتها بالتقادم والتخادم، ولتمحو جرائم (داعش) هذه الأيام جميع الجرائم التي سبقتها، فالجرائم تخدم بعضها بعضاً!.
والضحك؟
الضحك هو الآخر موقف لحظة يكون الجد سبباً كافياً للسخرية ومن ثم الضحك حتى لو اضطررنا، مثل رسام الكاريكاتير إلى أن نبالغ في تكبير أذني رئيس الوزراء أو اللعب على كلمات خطاب رئيس الجمهورية أو تحويل ربطة عنق رئيس البرلمان إلى ذيل أو التخلي عن شعار حب الوطن واستبداله بعكسه: وطن الحب.
لم أقرأ كاتباً في حياتي وقف ضد النسيان مثل ميلان كونديرا إلى الحد الذي بت فيه أشعر بأنه بالغ كثيراً في ثيمة نثره الرئيسة: احتلال السوفيت لبلاده جيكوسلوفاكيا السابقة (في الحادي والعشرين من آب (أغسطس) أرسلت موسكو إلى بوهيميا جيشاً بلغ تعداده نصف مليون رجل).
إصرار هذا الكاتب على تكرار ثيمة ألمه غير الشخصي بأشكال متعددة ومتنوعة ليس سوى محاولة لتفكيك النسيان والبقاء في بؤرة تاريخية واحدة لكنها تتشظى باتجاهات بعيدة: من منصة الرئيس إلى زوجة القصاب ومن كليمان غوتوالد القائد الحزبي إلى الكاتب ميريك الذي يقول: صراع الإنسان ضد السلطة هو بالدرجة الأولى صراع الذاكرة ضد النسيان.
كونديرا تبنى (في كتابه "كتاب الضحك والنسيان"*) موقف الكاتب ميريك أو العكس، أي وضع على لسان هذه الشخصية موقفه هو بخصوص ذلك الصراع.
ما الذي يجعل كاتباً، روائياً، تشيكياً، يغادر بلده ليقيم في فرنسا عام 1975 بعد أن فقد وظيفته عام 1968 بعد الغزو، إثر نشاطه في ربيع براغ، ثم منع كتبه من التداول لمدة خمس سنين، وأسقطت الجنسية التشيكوسلوفاكية عنه عام 1978 بعد صدور (كتاب الضحك والنسيان). خلال ذلك كتب كونديرا (خفة الكائن التي لا تحتمل) بين كتبه الأخرى (البطء) – نشرته على فصول مسلسلة صحيفة (أخبار الأدب) المصرية بداية التسعينات، و (فالس الوداع) والثيمة إياها: الاحتلال وتفصيلات القمع والرقابة والحب الملتبس بين العاطفة وملازمة الآيديولوجيا والبوليس السري العلني.
عن الضحك: "كانت لميريك علاقة بزدينا لخمس وعشرين سنة خلت، ولم تبق تحب، من تلك الأيام سوى بعض ذكريات. ذات يوم وقد كان على موعد، بدت له وهي تمسح الدموع من وجنتيها بمحرمة، فسألها عما بها وأجابته أن أحد رجالات الدولة الروسية توفي البارحة. هو واحد من هؤلاء يدعى جدانوف أو أربوزف أو ماستربوف؟ وأيقن ميريك من النقاط الدمعية التي راحت تسيل على وجنتيها غزيرة أن موت ماستربوف هذا أوقع فيها ألماً أكبر مما أوقعه في نفسها موت والدها بالذات".
ظل كونديرا في وطنه الفرنسي الثاني، يتكلم ويكتب بالفرنسية المتقنة ولكن عن ذاكرته مقاوماً للنسيان.
تنبثق القهقهة من بين ثنايا المأساة كثيراً، وتراها أحياناً خفيّة كتيمة، تنوس تحت طبقات ثقيلة من أسى النص المرير.
كيف نتدبر ذاكرتنا الجمعية؟
كيف نحمي ذاكرتنا الفردية؟
نحن المطرودين من ذاكرتنا على مدار الساعة.
هل جاءت حرب إسرائيل على غزة لتخدم جرائم (داعش) على وفق مبدأ التخادم بين الجرائم؟
• كتاب الضحك والنسيان، ترجمة أنطون أبو زيد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram