1-3
"دائماً عندما نسمع طرقات على بابنا يبدأ قلبي بالخفقان بصورة جهنمية. في عيون أمي وأخواتي أتعرف على الخوف مباشرة. في ذلك الخوف تحضر أمامي من جديد تلك الليلة التي جاؤوا لأخذنا معهم"، بتلك الكلمات تبدأ اللبنانية الشابة ليال عكوش برواية قصتها في الفلم الوثائقي "نويكولن بصوة دائمية"، الذي عُرض قبل فترة قريبة في السينما البرلينية "بابيلون". الفلم الذي يروي قصة عائلتها بلسانها ولسان اثنين من اخوتها، أثار نقاش مشكلة المهاجرين وطالبي اللجوء في المانيا.
لم تستطع الشابة اللبنانية نسيان الليلة تلك التي غيرت مصير العائلة اللبنانية الألمانية بالرغم من مرور سبع سنوات عليها. حدث ذلك في 3 أبريل - نيسان 2003، في الساعة الرابعة والنصف فجراً، وكان الظلام ما يزال مطبقاً في الخارج، كانت هي في الرابعة عشرة من عمرها، وكانت الوحيدة مستيقظة في تلك اللحظة، لأن عليها الذهاب للمدرسة في حي رودوف البعيد نسبياً عن حي نويكولن حيث تسكن العائلة، وكما تقول، كانت ليال تحب الهدوء ذلك في ساعات الفجر، عندما يكون الآخرون ما يزالون نائمين. "عندما يكون المرء أكبر أخواته الخمسة لابد له أن ينتبه عليهم بشكل ما". والداها اللذان جاءا إلى ألمانيا من لبنان قبل عشرين عاماً كانا يعيشان منفصلين عن بعض منذ وقت قصير،. في ذلك الوقت كانت لها سنتان من العمر، هذا يعني أنها ترعرعت في برلين، هذا ما جعلها تقول "أحب ضجيج الشوارع، أوزوت السيارات، هذا العدد الكبير من البشر المختلفين"، حتى تلك الليلة لم تكن ليال تعرف لبنان الذي سيرسلونها أليه.
في فجر ذلك اليوم سمعت ضربات عنيفة على الباب، وصياح "نحن شرطة الإجرام في برلين، افتحوا الباب". لبست أمها برنص الحمام، أما هي فمازالت في بيجامة النوم، عندما فتحت أمها الباب أخيراً. ثلاثة رجال وامرأة اقتحموا البيت. "البسوا ملابسكم واحزموا ما هو ضروري، الآن تذهبون إلى وطنكم لبنان"، قالوا لهم. أحدهم مسك ورقة في يده كُتب عليها، بأن البلد التي يعيشون فيها لم يعد يتحملهم. أمها تحاول أن تقول لهم، أنه سوء فهم بالتأكيد، لأن معاملة اللجوء ماتزال أمام المحاكم، لم يبث فيها حتى الآن، "نعم، نعم"، خاطبها الشرطي. الضجيج أيقظ أخواتها. أصغرهم محمد، كان عمره أربع سنوات بدأ بالعياط، أختها عطورة التي كان لها 11 عاماً من العمر بدأت بالبكاء، أخوها مارادونا كان عمره تسع سنوات بدأ يدور حوله في ممر البيت بلاحيلة. فقط حسن بسنواته الثلاث عشرة حافظ على هدوئه. أحد رجال الشرطة خاطبهم قائلاً، على كل واحد أن يأخذ لعبة معه، "من يدري إذا كانت هناك في لبنان لعب أطفال أصلاً!"، "كرهت الرجل هذا. كرهتهم كلهم. كانوا يطردوننا من بيتنا"، كما قالت ليال. وسط تلك الدوشة أُغمي على الأم فجأة، وبدل أن يساعدها أحد رجال الشرطة، طلبوا منها أن تترك التمثيل، ثم راحوا يضربونها على خدها، وهم يحاولون إيقافها على قدميها. كان وجه الأم شاحباً، أما جسدها فقد كان متشنجاً. ركعت ليال إلى أمها وهي تحاول حمايتها. "ليس هناك أي قانون ألماني يسمح لكم بلمس أمي"، قالت لهم، جوابهم كان الضحك والسخرية. لا تتذكر ليال كم استغرق الوقت بعدها عندما نهضت أمها. "كأنها الأبدية"، تعلق ليال.
عند باب البيت انتظرتهم سيارة "فان" إحدى تلك السيارات التي تذهب فيها العوائل عادة للنزهة، كان الجو بارداً، الهواء رطباً. قادتهم الشرطة إلى صالة كبيرة قريبة من مطار "تيغيل برلين". هناك حققوا معهم وكان عليهم أن يخلعوا ملابسهم باستثناء الملابس الداخلية. قالوا لهم، أنهم يريدون التأكد أنهم لم يهربوا شيئاً إلى سطح الطائرة. ثلاثة رجال حرسوا المخرج، ورافقوهم حتى أوصلوهم للطائرة. كان عليهم مغادرة ألمانيا.
يتبع