TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > توقيع: الضحك السياسي

توقيع: الضحك السياسي

نشر في: 5 ديسمبر, 2009: 05:17 م

وارد بدر السالم في الحياة مضحّكون كثيرون. هناك مضحّكون ظرفاء اتخذوا الضحك وسيلة لنسيان جدل الحياة واستبدالها بالفكاهة والضحك. وهناك مضحّكون حسب الحاجة والمواقف التي تستدعي تظريف الأجواء المحتدمة والساخنة وتحويلها الى مَضْحَكَة.
وغيرهم مُضحّكون بالفطرة الاجتماعية حينما ينظرون الى الدنيا من زاويتها السوداء. وآخرون مضحّكون بالنيابة.. نهّازو الفرص ومتملقوها. وجماعة آخرون يشتغلون مضحّكين لدى الملوك والرؤساء والوزراء والبرلمانيين وشيوخ العشائر، وهؤلاء نكتويون مع سبق الإصرار، ولا شك أن لديهم موهبة التضحيك العالية، أي يمثلون ثقافة الضحك من أبوابها الواسعة. وهؤلاء سوبر ستار الضحك! المختصون في علم الضحك وفنه يرون فيه نوعاً من العلاج الوقائي من أمراض عضوية ونفسية كثيرة، كما يحقق الاسترخاء الروحي ويبعث على التأمل ويحد من ارتفاع ضغط الدم ويقوي جهاز المناعة ويخفف من حدة الألم عن طريق رفع مستوى إفراز مادة الإندروفينس. والضحك يعالج الربو والتهاب الشعب الهوائية ويقضي على الشخير ويبعث الأمل ويجدد الشباب ويقوي عضلات البطن ويقضي على التوتر في كيمياء الضغط ويرفع الروح المعنوية لدى الضاحكين والمضحكين، بل يجعلهم أكثر وسامة.. وقيل أن الضحك ينمي الروح الإبداعية والقيادية لمن هم قادرون على أن يكونوا قياديين أو أن الظروف السياسية والمجتمعية الطارئة في حياة الشعوب تعطي الفرص لهؤلاء كي يكونوا في صدارة المشهد العام.. ويبدو أن فوائد الضحك أكثر من أن تحصى في هذا المجال حتى قيل أنه يرفع من مستوى الأداء العقلي لمن كانت عقولهم صغيرة ومحدودة الإدراك؛ كما أنه يقوي البصر والبصيرة لمن كانت أبصارهم وبصائرهم عميا لا ترى ما يجب أن تراه.وهكذا يعطي المختصون في فن الضحك نصائح وارشادات وفوائد. بل أن بعضهم يصنف الضحك الى طبقات صوتية، أو خاناتٍ اجتماعية وسياسية؛ فهناك الضحك الاجتماعي الذي يتوخى الترفيه، وهناك الضحك الثقافي المعني بشؤون الحداثة وما بعدها وما فوقها وتحتها، وثمة الضحك السياسي الذي ابتلت به الشعوب الفقيرة وشعوب العالم الثالث والرابع والخامس.وهذا الضحك هو من قبيل التغطية على فشل سياسي خاص أو عام، كما نجده اليوم في مفترقات سياسية عدة في وطننا العربي على وجه الخصوص، ولم يسلم عراقنا الحزين من هذا الفن الضاحك والمضحّك الذي ملأ أدبيات الصحف والفضائيات في التصريحات اليومية والمناكدات المستمرة ووضع العصي في عجلة الحياة بطريقة بات الضحك فيها مكشوفاً وصادحاً في أروقة المجتمع الذي أدخلوه في هذه الخانة الضيقة من المأساة الضاحكة. الضحك فن كما يقول خبراؤه. ولا يجيده إلا مَن كان بدرجة عالية من الاستيعاب لطبقات هذا اللون الفني الجديد على الحياة العامة.لذلك نرى أن هناك من يجيده إجادة تامة وهناك من يتمرن عليه. وهناك من يقلد غيره وصولاً الى أية خانة ممكنة من خاناته الكثيرة. طرائق الضحك كثيرة. وهؤلاء المحظوظون الذين يكتسبون الدرجات القطعية في فن الإضحاك يعرفون مسارب الضحك وتوقيتاته وطبقاته الصوتية. لأنهم يعرفون أن شر البلية ما يضحك، وإن الضحك على الذقون هو أقصر السبل لابتلاع الأوطان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram