TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قوس النصر

قوس النصر

نشر في: 5 أغسطس, 2014: 09:01 م

في غياب السلطة  وعجزها  عن ادارة  الملف الامني قبل عشرات السنين في مناطق متفرقة من العراق ، كان اندلاع النزاعات العشائرية ظاهرة سائدة لاسباب تتعلق بملكية الاراضي  وتقاسم المياه ،  وفي اغلب الاحيان تكون اسباب نشوب المعارك  بين عشيرتين تافهة ، لا تستحق استخدام السلاح الاسود والابيض من قبل الطرفين ، وتسفر  عن سقوط قتلى وجرحى من الجانبين ، والمعارك قد تستمر عدة ايام ، ويتخللها حرق الصرائف ، ونهب الابقار والاغنام والخيول ،  والعودة الى "السلف " مكان اقامة العشيرة المنتصرة ، للاحتفاء بالنصر الكبير وسط ارتفاع زغاريد  النسوة وهوسات النشامى ، ويتكرر المشهد في اليوم التالي ، وكفة الصراع تميل دائما لصالح الاقوى ، وهناك من يرفض الهدنة واللجوء الى الحلول السلمية لإيقاف القتال، ويقف عائقا أمام محاولات عقلاء القوم لفرض السلم.
زناد فرهود عرف بين ابناء عشيرته بانه رجل الصولات ، وصاحب الصوت المرتفع الداعي دائما لرفع السلاح واستخدامه حتى ضد ابناء  عمومته ، طلبا لثارات مرت عليها سنوات طويلة ، وابن فرهود كان يعتقد بانه يتمتع بقدرات قيادية عسكرية ورثها من ابائه واجداده  لانهم وبحسب رواية  والدته كانوا خير من يجيد استخدام الفالات  والخناجر " العفجاوية" نسبة الى قضاء عفج في حسم المعركة لصالحهم والحاق الهزيمة باعدائهم ، زناد اسم على مسمى ، ربما يكون اول شخص عراقي يفكر  بإنشاء قوس النصر  في قريته من  سعف النخيل ليكون شاهدا تستمد منه الاجيال  الجديدة   قيم الشجاعة والدفاع عن العشيرة .
بعد كل صولة يقودها زناد فرهود يمر تحت قوس النصر ، الواقع بقرب مكان جمع روث الابقار" كبة المطال " المستخدم كوقود في الطبخ وسجر التنانير ، فستقبله والدته بقصائد المديح  فتصوره وكأنه الاسكندر المقدوني قاهر ملوك و جبابرة عصره ، وفي لحظات الشعور  بفخر الانتصار يعلن القائد هزيمة العدو ،  مطالبا جنوده بالاستعداد لخوض منازلة اخرى ، للحصول على المزيد من الغنائم .
فكرة اقامة  قوس النصر  تعود الى عصور قديمة ،  تبناها القادة العسكريون  ليكون شاهدا على   تحقيق نصر كبير فيقام في مداخل المدن ،على شكل بوابة كبيرة  ،مشيدة من الحجر والرخام ، والنحت البارز على جدارنها يصور مشاهد من  الحرب ،  وصور القادة وجنودهم  ، واقواس النصر في اكثر البلدان تحولت الى اماكن سياحية ، وفي بغداد اصبح قوس النصر داخل المنطقة الخضراء المحصنة ،  ومن المفارقات انه شهد  مرور الدبابات الاميركية اثناء توجهها الى القصر الجمهوري .
زناد فرهود دفعه غروره في احد الايام لشن صولة على مركز شرطة الناحية للحصول على السلاح والذخيرة ، لكن والدته منعته من  القيام بهذه المغامرة ، لان الحكومة قوية ولديها الجيش والشرطة ولا احد يستطيع مواجهتها ، فاستجاب ابن فرهود  للنصيحة ، واكتفى  بالمرور تحت قوس النصر القريب من "المطال" ، و"السالفة" لا تحتاج الى رابط ورباط يا جماعة الخير .  

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram