تحظى كتب القصص المصورة بشعبية واسعة وإقبال كبير في العالم . وفي هولندا بشكل خاص تتمتع هذه الكتب بجاذبية وحضور محبب ودائم ، فهنا تفتتح المهرجانات التي تجذب الكثير من عشاق هذا الفن ، كذلك تقام المسابقات لاكتشاف مواهب متفردة في هذا المجال . ولا يكتفي هذا الفن الساحر هنا بالظهور في المجلات التي لا حصر لها ، بل أنه يُدَرَّس في أكاديميات الفنون أيضاً ، وهو حاضر في كل مكان . ومثلما تقام مرتين في السنة وسط مدينة دراختن التي أسكنها سوقاً كبيرة للكتب المصورة فهناك أيضاً المهرجان الكبير الذي يقام هذه الأيام ، والذي يعرض كل ما يتعلق بهذه الكتب ورساميها وكتاب سيناريوهاتها وبقية تفاصيلها . ساهمت في هذا المهرجان أكثر من ثمانين مؤسسة طرحت منتوجاتها في قاعة المهرجان مترامية الأطراف ، كذلك حضر وساهم أكثر من تسعين رساماً ، أغلبهم من المشاهير الذين أثروا في المشهد الفني في هذا المجال وأصبحوا من نجوم المجتمع .
على قاعة جانبية ابتدأ المهرجان بحوار مع اثنين من أشهر رسامي القصص المصورة في هولندا ، هما يان كراوس ومارتن لودفايك ، حضرت هذه المقابلة لأجل كروس الذي أحب أعماله كثيراً ، هذا الفنان الذي يستمر الآن برسم صفحته الأسبوعية في مجلة ( لبيلا ) منذ سنة 1970 ، أي منذ 44 سنة بالتمام والكمال !!! أية أمكانية جبارة يتمتع بها هذا الرجل السبعيني الذي دخل الى كل بيت هولندي وأصبح جزءا أساسيا من هذا المجتمع المحب للجمال والدعابة . جلست في الصفوف الأمامية كي أستمع اليه وهو يتحدث عن بداياته في ستينات القرن الماضي وكيف اهتدى الى صفحته الأسبوعية الشهيرة حيث يرسم ويروي فيها كل أسبوع جانبا من حياته الشخصية وحياة زوجته وابنتيه الصغيرتين ، حتى اشتهرت عائلته وأصبحت على كل لسان . الطريف أن واحدة من ابنتيه ، التي ما زال يرسمها كل اسبوع كانت حاضرة معه في المهرجان ، وقد كبرت الآن وتجاوزت الخمسين من العمر . كان وجود يان كروس باهراً ومؤثراً في المهرجان ، هذا الفنان الذي لم يكتف بالرسم فقط بل هو يُدَرِّس فن الكوميك في أكاديمية منيرفا الشهيرة . وقد قلت له ذات مرة مداعباً - حين اشتركنا معاً في معرض أقيم بمناسبة افتتاح المكتبة العامة لمدينتي القديمة هوخفين – بأن صفحته الاسبوعية ساعدتني على تعلم اللغة الهولندية !
بعد هذا اللقاء المباشر مع هذين الرسامين وهما يسترجعان كل المفارقات التي مرّت بعملهما ، تابعت الورشة الفنية التي افتتحت في إحدى القاعات ، بعدها قضيت بعض الوقت مع المسابقة التي أقيمت في الطابق العلوي ، حيث الاشتراك لمن يرغب ، وقد وزعت على المشاركين بدلات وملابس خاصة مستلهمة من بعض الشخصيات الشهيرة للقصص المصورة ، وقد حصل بعضهم على جوائز وتذكارات بعد ذلك . خرجت من المسابقة لأشرب القهوة وأتناول القليل من الكعك في المقهى الخاص بالمهرجان ، ثم تابعت تجوالي بين الفعاليات المختلفة ، حيث الممرات الواسعة التي تتيح للناس التحرك بسهولة . الكل منشغل ومتشوق للبحث عما يناسبه ، وقد ظهر على هذه الطاولة أو تلك ، بعض الرسامين المشاهير وهم يرسمون بعض شخصياتهم ويتابعهم الناس بمحبة كبيرة .
ورغم حضور جمهور كبير ورائع ، فقد سمعت أحد الرسامين يقول لزميله مداعباً ( كنت أتوقع جمهوراً أكبر ، لكني أقدّر أن الجو في الخارج جميل جداً هذا اليوم وأغلب الناس تفضل الذهاب الى البحر ) . أكملت جولتي الأخيرة بين الكتب التي رسمها فنانين أقدرهم وأحب أعمالهم بشكل كبير ، وخرجت أحمل معي 22 كتاباً مدهشاً ، ربطتها خلفي على الدراجة الهوائية وعدت الى البيت وأنا أفكر بهذا العالم الساحر ، تصحبني رائحة الكتب الملونة ممزوجةً برائحة أعشاب الحدائق المجزوزة تواً على جانبي الطريق.
يرسم عائلته منذ 44 سنة في قصص مصورة
[post-views]
نشر في: 8 أغسطس, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...