TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > بين النسك وسواه

بين النسك وسواه

نشر في: 9 أغسطس, 2014: 09:01 م

ما يؤسس له السيد المالكي من تشبث بالسلطة والولاية الثالثة عبر التعكز على الشرعية والدستورية، وما يصر عليه كثيرون في مواقف متفرقة في الجيش والحياة المدنية بدعوى صحة ما يذهبون اليه خلافا لما هو كائن وواقعي، وما يؤكده آخرون في مراكز قوى مختلفة من أحقية آرائهم في قضايا لم تعد تمس حياتنا من قريب او بعيد، وما يبرره طلاب في المدرسة، موظفون في دائرة، عمال في مسطر وسواهم من ممارسات دينية ،طقوسية توارثوها عن أسرهم يؤكد على اننا امة لا تريد ان تتغير على الرغم من يقيننا بان تقربنا إلى الله لم يكن إلا زيفاً، وتقوانا ونسكنا وممارساتنا المغلفة بأكثر من سبب لم تكن إلا لمصلحة ضيقة، آنية، لا نريد بها وجه الله والانسانية، لا بل أن يقيننا السياسي المبطن بشتى انواع الانتماءات السيئة دائما هو من أوردنا المهالك والمصائر القاتلة.
في مقطع صغير يظهر احد مقاتلي "داعش" وقد امسك به جنودٌ من فصيل قتالي نسمعه يقول: لا تلمسني يا رافضي، أقتلني يا رافضي، لا تركلني يا رافضي، فيما يصيح به احد الجنود شاتما أبا بكر البغدادي، ونسمع منه شتائم اخرى تنال من بعض الرموز الاسلامية، فيرد الداعشي: أنتم صفوية، مجوس، عملاء إيران. قد تبدو الحوارية المستعجلة هذه عارضة لا معنى لها، او لنقل تقليدية في مجتمع منقسم طائفياً لذا، فهي متشنجة بين فريقين متحاربين، لكن مراجعة متأنية لزمن التأصيل الذي تضافر على انتاج هكذا مقولات يجعلنا امام ما نجنيه الآن. وما تمسكُ المالكي بولايته الثالثة متذرعا بالدستور، وإصرار الشيعي على قولة (نحن أصحاب الدليل) في حواره مع نظيره السني، ومقولة سكان الغربية التي تشير إلى احقيتهم في الحكم أو قولة أحدهم بأن مرجعية فلان الفلاني هي الأحق دائماً، ومثل هذه وتلك انتجت لنا خطاباً متشنجاً، غير متهاون، يرفض فيه الجميع وجود الجميع.
تنشد مجموعة غنائية انشودة وطنية تم تصويرها في إحدى الكنائس تتحدث عن مشاركة مسلمة مناصرة لما يتعرض له الاشقاء المسيحيون من ظلم على يد داعش والجماعات المسلحة، وتقيم مجموعة مصلين من الشيعة صلاة جامعة في مسجد لأهل السنة، ويتحدث العرب بلسان "يقطر" وطنية ومشاركة عن الكرد ومثل ذلك نسمع عن الصابئة والشبك والأيزيدين في اعتقاد منهم بان روح الوطن والمواطنة تكمن في مثل ممارسات كهذه، في وقت يشعر معه كل فريق بتفوقه ونبل منبته وطهر دمه وقوامة وجوده غير مدركين جوهر وحقيقة العيش الانساني الذي يجب أن يكون عليه الآدميون. وما تجارب الشعوب في المواطنة ببعيدة عنا وقد تخلصت تماما من امراض العرق والدين والطائفة لصالح كل ما هو وطني وإنساني .
يستخدم القائمون على معظم القنوات الفضائية العراقية بشقيها الشيعي والسنّي في تصديهم او تطرقهم للحرب التي يخوضها الجيش العراقي مع داعش خطاب النظام السابق في التحشيد، وتغالي بعضها في إظهار مناقب آل البيت في ظن منها بان ذلك نافع في التحشيد والتصدي، فيما تذهب قنوات سنية إلى مناقلة أغاني واناشيد الحرب العراقية الايرانية لمصالح طائفية، ميدانية، محدودة النتائج وقد أفرغت الساحة من الخطاب الوطني الخالص، العابر للطائفة وبهكذا ضيقٍ وشحٍ في الرؤية تضيع علينا الفرص الحقيقية في المعالجات.
لم يكن الدستور مقدساً إذا تقاطع مع مصلحة الوطن والانسان فيه، كذلك لا نفترض قدسية للنص الديني إذا كان قاتلا مقطّعاً لأوصال الوطن والانسان فيه، ولن يكون عموم التشريعات والأعراف والتقاليد مقدساً ما لم يكن وجود الاوطان والانسان ومستقبله غاية نهائية فيه. ما يؤسف له أن العراقي بخاصة والعربي المسلم بعامة وفي كثير من سلوكه وممارساته مستعد للقتل -سلبا وإيجابا- في سبيل ما يعتقد ويؤمن، دون التبصر في ما يعتقد ويؤمن الآخر ذلك لأن شعوره الانساني قد ضمر وتقزم ولم يعد يرى ما سواه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

العمود الثامن: عاد نجم الجبوري .. استبعد نجم الجبوري !!

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

العراق إلى أين ؟؟

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram