تحدث اوباما عن العراق ٣ مرات في يوم واحد (السبت) بعد ان كان طوال ثلاث سنين، يحاول ان ينسى "خطيئة" جورج بوش، بالفهم السياسي الذي يتبناه الديمقراطيون الاميركان في صراعهم مع حزب الجمهوريين الذي اسقط نظام صدام حسين.
اوباما تحدث منذ الخميس بثلاث مستويات ايضا، في المرة الاولى قال انه سيتحرك لاغاثة الايزديين المحاصرين على الجبل، ولحماية اميركان موجودين في اربيل. في المستوى الثاني الجمعة، قال بشكل اوضح انه مستعد لزيادة مستوى الضربات ولن يسمح بدخول داعش الى اربيل وسيساند البيشمركة. اما في المستوى الثالث، وكنوع من الاقتناع والاقناع التدريجيين، فقد تحدث بوضوح اكبر، قائلا ان هناك اليوم خطرا يتمثل بظهور دولة خلافة متشددة تريد ان تصبح ملاذا للارهاب فتهدد العالم بأسره، وان اميركا ستقاتل ربما لاسابيع، لمنع ذلك.
هنا ايضا، نجح الرئيس الاميركي في بناء تصور مقبول، فتهديد كهذا يحتاج الى جهد دولي، لذلك فان اوباما استعرض اتصالاته مع حكومتي باريس ولندن، واشار بوضوح الى ضرورة ان يولد جهد دولي للعمل في العراق، ودعم العراقيين في مواجهتهم العسكرية، اي ان اميركا لن تنخرط في هذا الاطار بمفردها.
لكن اوباما لم يترك الامر على عواهنه، فقد اشار بقصدية، الى ان اربيل "تستحق الدعم"، لان الاكراد "عمليون" و"متسامحون ثقافيا مع الطوائف والأديان الأخرى"، والعبارة تنطوي على نوع من مطالبة الساسة العرب بامتلاك موقف اوضح مع لعبة التعددية، ومع المجتمع الدولي، واننا كعرب عراقيين، تخبطنا كثيرا في صياغة مسؤوليتنا المحلية والدولية.
اوباما يعلم ان الاكراد ليسوا تابعا بسهولة للسياسة الاميركية، فالسيد هوشيار زيباري حرص في كلمة مع الصحافة مساء الجمعة، ان يشكر واشنطن، ويثني كذلك على "مساندة" تركية وايرانية في اطار المواجهة مع داعش. لان كردستان غير مستعدة لان تكون مع اوباما ضد الجوار بتلك الطريقة السطحية، التي تلهج بها او بما يعاكسها، ألسنة وأفواه كثير من الدخلاء والدخيلات على السياسة في بلادنا، والذين يواصلون إمطارنا بنظرياتهم في الجيوبوليتيك، دون ان يفهموا بديهيات رقعة الشطرنج المعقدة. بل استحق العديد من الساسة الاكراد ان نعدهم جزءا من محاولة جديرة بالاحترام، لانتاج عقلانية متوازنة، رغم اخطاء ترتكب، وهفوات تحصل. ولذلك وجد الاكراد استجابة طيبة بمجرد مواجهتهم لمحنة.
الاطراف الدولية، التي يتحدث باسمها اوباما الان، تبحث عن شريك عراقي مستعد للعمل بمعايير القرن الحادي والعشرين، ولا شك اننا نضع استفهامات كثيرة على خطط واشنطن، ووراءها لندن وباريس، لكن الاستفهامات هذه لا تلغي حقيقة كبيرة: اما ان ننخرط في اللعبة الدولية بشجاعة، ونكون جزءا من العالم المتقدم، ونبرهن على شراكتنا المسؤولة، او ان نبقى لاعباً صغيرا بحجم "ميليشيا"، فتسحقنا ميليشيا مضادة، وتغيثنا عند الحاجة، ميليشيا مشابهة. ولن يكون المستقبل في هذه الحالة سوى مخيمات نزوح بحجم العراق، لا يجملها دولار النفط، ولا يحقق امنها الف فصيل مسلح منفلت.
اوباما يتحدث عن التزام دولي ممكن، لكنه يشير بوضوح الى منطق النظام الدولي: لا يمكننا ان نغيثكم دون جهدكم المحلي المتماسك، ودون فريق سياسي مستعد لاصلاح الاخطاء.
المطلوب الان ليس استجداء دعم اميركا، ولا التحقيق في نواياها، ونمتلك ساسة يتحلون بالشجاعة والنوايا الطيبة، من البصرة الى النجف، ومن بغداد حتى الموصل، يمكنهم التفكير بشكل جاد في استئناف حوار انقطع بالمنغصات، لا مع واشنطن وحدها، بل مع العالم الذي ينظر الينا كدولة فاشلة، وبلا سياسة. هؤلاء الشجعان المتعقلون، بحاجة الى التقاط انفاسهم اثر شوط اللهاث الذي جاء قبل داعش وبعدها، بكل المكاره، لكي يصوغوا خطابا عراقيا يؤمن بالاصلاح السياسي، ويتحدث بوضوح عن التزامات العراق مع المجتمع الدولي، وعن ضمانات التصحيح التي يجب ان تقصي المجانين عن غرفة صناعة القرار، وتعرض امام العالم خطتنا الوطنية لبناء التسويات وصفقة السلم الاهلي.
لا تتركوا "الخليفة" يسخر منا. ان استجماع الشجاعة والعقلانية بحدهما الاقصى، متاح الان. المجتمع الدولي ينتظر جوابا واضحا. والفرصة لم تفت بعد. رغم طريق الالام والشكوك الذي لا ينتهي بسهولة.
من سيرد على اوباما والعالم؟
[post-views]
نشر في: 9 أغسطس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
روكان طه
جيد ان اشرت الى دور المليشيات الأخرى عندما قلت ( او ان نبقى لاعباً صغيرا بحجم ميليشيا ، فتسحقنا ميليشيا مضادة، وتغيثنا عند الحاجة، ميليشيا مشابهة ). واني اتسأل هل ستستطيع الجهة التي تسعى لتقديم من سيقود المرحلة المقبلة ان تعطي اجابة واضحة للمجتمع الدول