TOP

جريدة المدى > عام > نبض الكتابة..نبض حياة

نبض الكتابة..نبض حياة

نشر في: 11 أغسطس, 2014: 09:01 م

في خضم عتمة خانقة تلفُ الراهن العراقي وتعتصر في الغضون نفوس مواطنيه،اينما كانوا، يثير كتاب (نبض الكتابة) الصادر عن "بيت الشعر العراقي" في بغداد، غبطة نادرة، كتاب إبداعيأنيق، ربما تعد قيمته المعنوية اكبر مما يثيره اي كتاب عراقي صدر مؤخرا، ليس لزمن صدو

في خضم عتمة خانقة تلفُ الراهن العراقي وتعتصر في الغضون نفوس مواطنيه،اينما كانوا، يثير كتاب (نبض الكتابة) الصادر عن "بيت الشعر العراقي" في بغداد، غبطة نادرة، كتاب إبداعيأنيق، ربما تعد قيمته المعنوية اكبر مما يثيره اي كتاب عراقي صدر مؤخرا، ليس لزمن صدوره حسب، وانمالأنه يسعى بوضوح الىان يكون قيمة حضارية وبادرة ثقافية ملفتة كرستلنصوص شعرية يكتبها الأطفال في هذا الزمن العصيب. المشاركون في الغالب هم من طلاب المراحل الابتدائية مع بعض المشاركات لطلبة المرحلة المتوسطة ومن مدن العراق المختلفة. وحتى تكتمل الفكرة وتحقق غايتها المرجوة،وجد القائمون على الفعالية ضرورة تحكيم هذه النصوص وتسمية الفائزينأسوة بما يتبع في المسابقات الثقافية عامة.
الأطفال الذي وجدوا في الشعر( كما يفهموه) واحة رحبة للتعبير عن تمسكهم بالحياة،رغم اضطرابها، وانحيازهم لقيمها السليمة، رغم اختلالها، انشدوا بروح عفوية صادقة وحماس ملحوظ لوطن مأمول يسوده الخير والسلام.وطن سيجد الكبار في النصوص القصيرة المنذورة له طيف كلماتهم التي قيلت قبل عقود، على مقاعد الدراسة او خارجها، من دون ان يفوزوا به آمنا، وقد تأبدوا غير مرة في التأمل والرجاء، تعصف بهم أطياف الطفولة الآفلة وأمنياتها المكبوتة او المؤجلة.ربما نعاين في هذا الكتاب صورة ماضينا الذين نَحنُّاليه، سواء في كلماته الدالة او في رسوماتهالجميلة التي تشي بمواهب بكر تستحق نيل فرصتها، وإن في ظروف اعقد ومسارات اقسى مما كان، فهذاإبداع طفولي عراقي، قانونه الأوحد احترام الذات، وحقها اللازم في رسم مستقبلها دونما فروض من احد.
في مشروع ثقافي وتربوي كهذا ليس الرهان ان يكون إبداع الكتابة طفوليا خالصا، وانماان يُؤمن هؤلاء الأطفالان الكلمة، بوصفها كذلك، يمكن لها ان تكون معبرا آمنا لحياة كريمة، نافذة رحبةللتعبير الحر عنالأحلاموالأمنيات في سماء حياة عراقية فقدت لحين،اتزانها المطلوب حينما أصابتها لوثة الكبار الممسوسين.
ما يلفت النظر في قصائد الأطفال، أنها رغم حفاوتها بالحياة والمدرسة والأم والجمال والعلم، عبرتايضاعن همومها العمرية، لكن بأمل شفيف، لتأخذمحنة الوطن طريقها الى كلماتهم، بوعي يدين ما يستحق الإدانة ويرفض ما يستوجب الرفض..
فيكتب الطالب محمد عبد الله من نينوى في قصيدته الموسومة "أيها العالم اسمع":
أيها العالم اسمع
نحن أطفال صغار
لا نريد اليوم مدفع
يملأ الدنيا دمارا
أيها العالم اسمع
متى نحيا بسلام
في أراجيح السرور
ونغني للحمام ،
نحن عشاق الزهور...
في حين يكتب الطالب عبيدة زين في قصيدة "البلد المهجور":
القتل في بلدي مباح
والنهب في بلدي مباح
صار الملاك سفاح.....اسأل عن الأحباب
أدعو دعائي لا يستجاب
آه يا بلدي المهجور...
لكن الأطفالالشعراء وعلى نحو يكرس فرادة بداهتهم العمرية، يبدو انهم مؤهلون لاستشراف الفكرة من حكمة الكائنات التي تشاركنا العيش على هذا الكوكب، وان كانت حكمة نملة:
ليكتب الطالب عبد الحق فاضل في قصيدته" الإصرار على العمل" الحائزة على المرتبة الأولى في المسابقة:
دونما تردد ، تملل
تواصل الدوران
هل نتبع أثرا لها
أم نقتدي بفعلها
صغيرة هي
بطيئة هي
لكن أفعالهايملؤهاالإصرار.
فيما يتأمل تميم لؤي حمزة في قصيدته الحائزة على المرتبة الثانية، صمت التمثال في حوار تماه يحمل أسئلة بليغة:
أنا مثلك، وأنت مثلي
لكني لا أراك تمشي
يحزنني وقوفك
وتحزنني من شدة خوفك
فقل لي ما في نفسك
لنكتشف سر خوفك..
ويستعير الطالب انيس عامر عبود-محافظة بغداد-حال البلاد في قسوتها وهجرة مواطنيها في قصيدته الموسومة" الوطن":
جاء يوما حاكم جائر
اجبر الطيور والأسماكان تترك البلاد وتغادر...
لكن محبتنا للبلاد من صنف نادر
الكتاب الذي يأتي تتويجا لفعالية المسابقة الشعرية التي أقامها بيت الشعر العراقي في دورتهالاولى (2013-2014) بدعم من مؤسسات حكومية ومدنية وإعلامية، ينبض بالحياة شكلا ومضمونا، في الكلمة او الصورة، وهو يوائم بين بوح شعري ولوحة تشكيلية خطتها أنامل تبتدع الجمال وتنتمي الى فضائه. حيث تساوقت رسوم الأطفال الجميلة مع ذكاء تصميم الكتاب ومنحته بصمة الاحتفاء بمواهب المشاركين فيه، ليكون وثيقة ثقافية تؤمن بصباح عراقي جديد لا يعرف الكذب، ولا يلتفت لذوي القلوب الغليظة.
وحتى نكون منصفين فان الرسوم التي تضمنها الكتاب والتي أخذت مواقعها بين النصوص الشعرية، ليست موضوعة لمجرد تزويق صفحات الكتاب او بهرجتها، وانما كانت نصوصا قائمة بذاتها، قوامها اللون والحركة، وقد تبوح احيانابأكثر مما يمكن للكلمات ان تبوح به. فعوالم صنعتها مخيلة خصبة لكل من الرسامين: أمين صابر ورند حسن نصار ومؤمل لؤي حمزة ومريم فتحي وآخرين، هي كتابة تشكيلية ماهرة تعلو على الملل، وتبتكر الفرح، بأفقها الفسيح وثقتها الناجزة.
تبقى إرادة النظر الىالأمام، صوب المستقبل هي الخيط الحقيقي الناظم لكلمات الأطفال ورسوماتهم، رغم كل ما تتحسسهأنامل مخيلتهم الفتية من سوءات عصرنا التي يريد البعض جعل عتبة شقائها مبكرة وأبدية. من وضعوا كلماتهم في هذا النشيد الطفولي هم براعم الغد، حراس الأمل، وأصدقاء الكلمة المبدعة. لنحييهم جميعا بقدر ما نحيي القائمين والداعمين لهذه البادرة الحضارية.
ان يكون الأطفال نزلاء واحة الشعر والألوان، يعني انهم سيكونون في أيدٍأمينة. فالشعر سلام وأمل ومحبة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram