ازدهار الطائفة، في العراق يضمر انحطاطها في الوقت عينه، فهي ما أن تزدهر سياسياً، نظام حكم وخطاباً وشعائر، فهي تحمل شروط انحطاطها من خلال إقصاء الطائفة (الطوائف) الأخرى، فلا يستتب الأمر لطائفة، على صعيد الحكم والخطاب والهيمنة إلا على حساب طائفة (طوائف أخرى) وتاريخ العراق الحديث هو كتاب الصراع الطائفي، المضمر أو المعلن، وبدرجات تشتد وتخف، منذ تأسيس الدولة العراقية.
السلطة في الطائفة تشكل خطراً لا يقل عن خطر الطائفة في السلطة، كلاهما يضمر الإقصاء والحذف والتهميش، فالاثنتان وإن كانتا تتقاطعان وتلتقيان في المساحة المشتركة: الإكراه في الدين الذي يكون أحد أشكاله الفاقعة هو العنف.
مهما يكن نفوذ الطائفي (برعاية سلطة الطائفة) محدوداً فإنه يشكل تهديداً (على الأقل) للطائفي الآخر، خارج سلطة الطائفة، مهما تمتع به الأخير من نفوذ، كأن يكون المال أو الوجاهة أو قوة الخطاب أوتماسك المنطق أو أو أو.
كلا الطائفتينِ لا تتمتع بنفوذها (في السلطة أو المعارضة) اعتماداً على الفكرة الدينية، وحدها، بل على الفكرة السياسية، أي أن الطائفتين، لم تتمتعا بنفوذهما، كبر أو صغر، إلا بعد أن استعمل الدين في السياسة، فخرج كل من الطائفيين عن سياقه الديني (المهني أو الإيماني) ليدخل سياقاً ليس من استحقاقه ولا من مؤهلاته.
طالما بقي الطائفي في خندقه السياسي يبقى الصراع الطائفي قائماً، بأشكال عدة، ومتحولاً من حوار روحاني يهدف إلى التقارب والتفاهم وصولاً إلى السلام الديني/ الطائفي أرضية للسلام الاجتماعي، إلى صراع عنفي من أجل السلطة،
وهنا يتوجب الخروج من الخندق السياسي والعودة إلى الفضاء الخاص برجل الدين وعالمه الروحاني (الإيماني) كما عودة العسكري إلى ثكنته، لا يجوز له الخروج منها إلا إلى المسجد أو الجامع أو إلى زيارة عتبة مقدسة. لكن هذا ليس حجراً على رجل الدين أن لا يمارس السياسة، فهو مواطن حر، مثل غيره، شريطة أن يخضع للقانون المدني في أن يخوض السياسة في ميدان السياسي لا الطائفي (وفق برنامج لا طائفي).
وبما أن ثقافة النقد وأدواتها وشروطها لم تزل تثير حساسيات متعددة، خصوصاً في المجتمع الديني، ولها أسباب كثيرة لا يمكن البحث فيها هنا، لضيق الحيز، أو لضيق التقبل (قلنا تثير الحساسيات) فثمة مقترحات عدة لتخفيف وطأة النقد والتقليل من الحساسيات إزاءه، ومنها: أن ينقد المثقف المعني بالقضية، قضية العلمنة والمواطنة وترشيد الحوار والجدل المتعلق بها، طائفته، أي أن يتولى المثقف الشيعي نقد الثقافة الشيعية والسنّي نقد الثقافة السنيّة، وبالتبادل أيضاً..
سيكون للمثقف الديني التأثير الأكبر في نقل الكرة النقدية من الصومعة إلى الشارع العام، ومن صدور المؤمنين إلى فضاء الثقافة النقدية، وقد يكون في طليعة من يتصدون لنقد الطائفة وثقافتها وتراثها، ليس لأنه المؤهل الوحيد، فثمة نقاد كبار لهذه الثقافة من خارجها، إنما لأنه الشاهد المطلع، أكثر من غيره، على الأخطاء النظرية والعملية، وجملة التزويرات والأكاذيب التي ترسخت بحكم الخوف والخنوع وغياب العقل الجدلي النقدي داخل الدين وطوائفه، وأيضاً بسبب المصالح السياسية والشخصية التي لا يريد رجل الدين المحافظ التنازل عنها لأنها تمس قدس أقداسه: سلطته المادية والمعنوية.
التمترس الطائفي بمواجهة خطر طائفي (الطائفة الأخرى) محدق، متوقع، يطيح سلطتها كفيل بأن يكون عائقاً كبيراً في طريق إقامة دولة مدنية.
لماذا؟ لأن تكريس الطائفة بمواجهة الطائفة المناوئة سيحيل الساحة السياسية إلى ميدان صراع ممتد إلى إلى ما لا نهاية، سنوات أو عقوداً من الحرب الطائفية التي تنعكس على عموم نشاطات البلد، دولة وحكومة ومؤسسات وعلاقات ثقافية اجتماعية ودينية وأخلاقية.
نجد اليوم، للأسف، مظاهرطائفية في الميدان الثقافي/ الأدبي، وفي ميادين أخرى ذات صلة، إذ ثمة ثقافة وفنون طائفية لا تنتجها الطائفة المعنية، السائدة، حسب، عبر مثقفيها ورواديدها وشعرائها، إنما ثمة تملق ثقافي/ فني يبديه مثقفون وفنانون كانوا حتى الأمس القريب بعيدين عن الطائفية.
الطائفية.. نقد الآخر وقبوله
[post-views]
نشر في: 11 أغسطس, 2014: 09:01 م