TOP

جريدة المدى > مسرح > " ممثلو دجلة"... أصداء المسرح الإنكليزي في بغداد

" ممثلو دجلة"... أصداء المسرح الإنكليزي في بغداد

نشر في: 11 أغسطس, 2014: 09:01 م

 قد لا يعرف الكثيرون من المهتمين بالمسرح في العراق بأنه كان يوجد " مسرح انكليزي" في بغداد مارس نشاطه في اواسط الخمسينات من القرن الماضي. وكان المسرح يقدم عروضه باللغة الانكليزية بمشاركة ممثلين انكليز وبادارة مسرحية عراقية. وكان افراد النخبة من ا

 قد لا يعرف الكثيرون من المهتمين بالمسرح في العراق بأنه كان يوجد " مسرح انكليزي" في بغداد مارس نشاطه في اواسط الخمسينات من القرن الماضي. وكان المسرح يقدم عروضه باللغة الانكليزية بمشاركة ممثلين انكليز وبادارة مسرحية عراقية. وكان افراد النخبة من المثقفين العراقيين يرتادون هذا المسرح للتمتع بعروضه ومنهم الفنانون جواد سليم ولورنا سليم ونزيهة سليم وجبرا ابراهيم جبرا وعطا صبري وحافظ الدروبي والادباء عبدالملك نوري وفؤاد التكرلي وشقيقه نهاد التكرلي وكذلك الشاعر بدر شاكر السياب وغيرهم.  وهناك صفحات منسية كثيرة عن اجانب آخرين تركوا في القرن العشرين بصمات ابداعهم في بغداد وغيرها من مدن العراق. وتكفي الاشارة الى اللوحات الجدارية للفنانين البولنديين في المقهى السويسري في شارع الرشيد التي مسحت من قبل جاهل لم يدرك القيمة الفنية والتاريخية لها. ففي العالم المتحضر – ونحن لا ننتمي اليه طبعا – يصان كل أثر تاريخي مهما كان مصدره باعتباره جزءا من تراث البلد.   

وحدث ان جاء الى العراق في اواسط الخمسينات شاب انكليزي تولى مهمة ادارة مكتبة المركز الثقافي البريطاني الكائن في الوزيرية. وكان هذا الشاب واسمه رسل باودن يعشق المسرح كثيرا،وقام بتأسيس فرقة هواة باسم "ممثلو دجلة"(Tigris Players ) ضمت مجموعة كبير من الانكليز العاملين في شركة النفط والمؤسسات الاخرى وكذلك بعض موظفي السفارة البريطانية وافراد اسرهم.
وكنت آنذاك ارتاد المكتبة من اجل استعارة الكتب الثمينة فيها ولاسيما اعمال الادباء الكلاسيكيين الانكليز وحتى بعض الكتب الممنوعة في تلك الفترة مثل كتاب "اصل الانواع" لداروين الذي تحدث عنه معلمنا في الاعدادية المركزية لدى تناول نظرية التطور بصورة عابرة من دون ان نعرف شيئا عن محتواه. لكن جذبت اهتمامي في المكتبة بقدر اكبر مسرحيات جورج برنارد شو واوسكار وايلد ونوئيل كوارد وجون اوزبورن التي كنت اطالعها بنهم واعيدها الى المكتبة بسرعة. وقد لاحظ رسل ولعي بمطالعة المسرحيات ودار بيننا حديث واخبرته بانني امارس العمل المسرحي احيانا في نشاط الهواة في المدارس. وكنت فعلا ارافق صديقي عبدالواحد طه في نشاطه المسرحي بدار المعلمين العالية والذي يعود اليه الفضل في تقربي من النشاط المسرحي في البداية في رسم الديكورات وتنظيم الانارة ومن ثم في التمثيل. وعرض علي رسل ان اشارك ايضا في فرقة " ممثلو دجلة" بصفة مدير مسرح. ولكنني لم اعرف آنذاك ماهي وظيفة مدير المسرح وقد تعلمت ألف يائها منه بالذات واستفدت من ذلك في نشاطي لاحقا.
وفي الواقع فان تقديم المسرحيات باللغة الانكليزية كان سائدا في اماكن أخرى في العراق سواء في الموصل او البصرة ولكن على نطاق ضيق جدا . وقد دعاني استاذي لاحقا جاسم العبودي مرة للعمل كمساعد له في اخراج مسرحية بعنوان " بث الاشاعات" بالانكليزية في كلية بغداد التي كان يديرها الآباء اليسوعيون.
كان عملي كمدير مسرح في فرقة " ممثلو دجلة" اول تجربة للاطلاع على المسرح الجاد بمستوى اوروبي لدى اخراج مسرحية اوسكار وايلد .
" أهمية ان يكون المرء باسم ارنست".
فقد اطلعني رسل على طريقة العمل لدى التحضير للبروفات وتصميم الديكورات والازياء والانارة . وكان يجب تسجيل هذا كله وبكل التفاصيل في " كتاب الاخراج" الذي يسجله مدير المسرح . ويومذاك عرفت لأول مرة ماهو هذا الكتاب الثمين الذي يحتوي كل شيء يتعلق بالتهيئة للعرض المسرحي. وقد حاولت في هذا "المنصب" ان انفذ جميع ما كلفني به المخرج. وقد طبق اسلوب التحضير للعرض المسرحي بواسطة " كتاب الاخراج" لاحقا استاذي الراحل جاسم العبودي في معهد الفنون الجميلة وفي فرقة المسرح الحر. لكنه لم يكن صارما ودقيقا مثل رسل في هذا المجال.
بدأت مهمتي كمدير مسرح من صنع الديكورات ، وطلبت من الاخ النجار سعدي السماك مساعدته حيث كان يقوم بصنع الديكورات عادة في معهد الفنون الجميلة وفرق الهواة. وعندما اطلعت على رسوم التصاميم التي اعدها رسل ذهلت للتقنية التي لم تكن معروفة لدى المسرحيين العراقيين في بغداد. واول شيء هو اعتماد المنصات المتحركة في تغيير الديكورات بسرعة. وقد زودت هذه المنصات بكراسي التحميل الكروية التي كانت تضمن ادارة المنصة التي تثبت اليها الديكورات في عدة دقائق. وقد اعجب سعدي السماك بالفكرة كثيرا ولو ان الحصول على كراسي التحميل في الاسواق البغدادية لم يكن شيئا سهلا آنذاك. علما ان مفهوم الديكور المسرحي في نشاط الهواة كان يقتصر على تعليق مجموعة ستائر مرسومة او ملونة ، اما الانارة فهي سلسلة مصابيح مختلفة الالوان معلقة في السقف ، حيث لم تعرف انذاك البروجكتورات. واذكر انه حين اخرج الفنان حقي الشبلي مسرحية توفيق الحكيم " شهرزاد" في معهد الفنون الجميلة قام الفنان عبدالواحد طه لأول مرة بصنع ما يشبه البروجكتورات من علب معجون الطماطم الفارغة وفي داخلها مصابيح قوية النور . واعتبر ذلك حينئذ اختراعا مهما . اما الديكور فقد ابتكر الفنان حافظ الدروبي ايضا لوحة كبيرة تغطي خلفية خشبة المسرح كلها ترمز الى بغداد القديمة. وبهذا تم الاستغناء عن الستائر الملونة المعهودة في تلك الفترة. وشاهدت في المعهد الثقافي البريطاني لأول مرة في حياتي التأثيرات العجيبة للإنارة باستخدام البروجكتورات الموجهة. ووجب علي تسجيل كل ما يتعلق بالديكور والانارة في كل لحظة من العرض في كتاب الاخراج العتيد ذاك.
لقد اتبع رسل بودن في الاخراج الاسلوب الواقعي السائد في المسرح الانكليزي ايامذاك وكان من ابرز نجومه لورنس اوليفيه وجون كيلكود وبول سكوفيلد وغيرهم الذين عرفتهم لاحقا ، وبالاعتماد على تقاليد المسرح الانكليزي العريق. وكان يتعامل مع الممثلين باحتراس شديد ولم يحاول فرض رؤيته للعرض عليهم. وقد عرفت هذا الاسلوب لاحقا حين التحقت بمعهد الفننون الجميلة عقب مجيء الفنان الكبير جاسم العبودي اليه قادما من الولايات المتحدة. ويومئذ عرفت ان المسرح العراقي الوليد ما زال في عهد الرضاعة ويجب عليه انتظار فترة طويلة قبل ان يصبح مسرحا ناضجا يمكن ان يضاهي المسارح العالمية. ولكن يبدو ان نكبة وطننا في العقود الاخيرة من السنين ستقف حائلا دون قيام نهضة مسرحية جديدة في البلاد. فقد عادت بلادنا وامتنا العربية بأسرها الى الوراء في تطورها فترة مائة عام كما قال الشاعر المصري احمد عبدالمعطي حجازي. وعبثا نلقي اللوم على القوى الخارجية في ذلك فالداء يكمن فينا انفسنا. ان وزارات الثقافة العربية لا تفعل أي شيء للنهوض بالثقافة الحقيقية وتطويرها ومنها المسرح والسينما والموسيقى. ولهذا نحن غائبون دائما عن المهرجانات السينمائية والمسرحية الدولية، واذا كان لنا حضور فيها فهو هامشي لا قيمة له.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

السحب المطرية تستعد لاقتحام العراق والأنواء تحذّر

استدعاء قائد حشد الأنبار للتحقيق بالتسجيلات الصوتية المسربة

تقرير فرنسي يتحدث عن مصير الحشد الشعبي و"إصرار إيراني" مقابل رسالة ترامب

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram