2-3
تواصل اللبنانية ليال عكوش رواية قصة تهجير عائلتها من ألمانيا في الفلم الوثائقي، "نويكولن بصورة دائمية"، والذي يروي قصة عائلتها بلسانها ولسان اثنين من أخوتها، كيف أن الشرطة بعد اقتادتهم إلى مطار "تيغيل" في برلين، أصعدوهم للطائرة. تقول : عندما حلقت الطائرة، كانت ليال تحدق مع أخيها حسن من نافذة الطائرة، كم بدت لها المدينة صغيرة، وكلما حلقت الطائرة عالياً، كلما أصبحت المدينة أصغر واصغر، حتى اختفائها تماماً. أمها شغلت نفسها بتهدئة الصغير، أخواتها ينظرن أمامهن بنظرات جامدة، أما أخوها مارادونا فكان أكثرهم هدوءا، في تلك اللحظة تذكرت ليال أنه يوم عيد ميلاده التاسع.
في الظهيرة هبطت الطائرة في إسطنبول، لم تكن العائلة أكلت شيئاً باستثناء الحلويات الموجودة في مكائن الأوتوماتيك. عبر صالة المطار يشم المرء رائحة الهامبورغر والبطاطا المقلية، سلم صغير واحد فصلهم عن مطعم البورغر كينغ، لكن الشرطة لم تسمح لهم بمغادرة مكانهم. الأم تسأل المسافرين أن يساعدوها، تعطيهم فلوسا لكي يشتروا للأطفال الأكل، لم يقبل أحد. لم تشعر ليال في حياتها بالبؤس مثلما شعرت في تلك اللحظة. أحد المضيفين انتبه إليهم، "أية خنزرة هذه"، خاطب المضيف المسافرين، "عليكم أن تخجلوا جميعاً". بعد ذلك اشترى المضيف لهم أكثر مما استطاعوا أكله، لم يشأ أخذ الفلوس من الأم.
• قضوا ليلتهم نائمين على المصاطب وفي عصر اليوم الثاني طارت طائرتهم إلى بيروت.
في مطار بيروت بدأت رحلة جديدة مع المشاكل، كان عليهم أن يخضعوا للتحقيق سبع ساعات، لأن رجال الحدود في مطار بيروت شكوا بأن العائلة لها علاقة بتجارة المخدرات. عبثاً حاول حسن وليال توضيح الأمر للشرطة، ليثبتوا لهم بأنهم لم يرتكبوا أية جنحة. لكن كيف سيفهمهما رجال الشرطة اللبنانية؟ أنهما لا يتحدثان العربية، كانت هي وحسن يفهمان ما يقوله الآخرون فقط، كان على العائلة الانتظار في زنزانة عائلية لحين مجيء عمهم الذي أخذهم إلى البيت.
كان لبنان مكاناً غريباً بالنسبة لليال، الطبيعة، الروائح، الناس، من غير المهم أنها كانت تعرف أن لها أقاربَ هناك. ماذا عليها أن تصنع هناك؟ في البداية حبست نفسها في غرفتها وظلت تبحلق بالسقف والحيطان. لم تشأ رؤية أو سماع صوت أحد. في بعض الأيام لم تنطق بأية كلمة، حتى مع أخواتها. وفي يوم ما توقفت عن الأكل.
بالتوازي مع ذلك حاول أبوها في ألمانيا بمساعدة محامي إثبات أن طردهم حدث عن طريق الخطأ. كانت في حوزة الأب إقامة عمل، لكن لأن الزوجين منفصلان، لم تصلح الإقامة للأطفال. منذ مغادرتهم برلين، ظل يحرس البيت، خوفاً من تصفية البيت من قبل السلطات. بعد سبعة أسابيع ربح الأب القضية، ليتصل بهم، ويقول انهم يستطيعون العودة إلى البيت.
بدت غرفهم عند العودة، كما لو أنهم لم يغادروا البيت أبداً. الأّسرّة، الملابس، أدوات اللعب، كل شيء ظل في مكانه منذ فجر ذلك اليوم. أحد الجيران رآهم عند السلم، بعد ذلك بساعة واحدة، كان جميع الجيران عندهم، ليحتفلوا بعودتهم.
لزمن طويل لم تفهم ليال ما حدث لعائلتها. كم استغرق من الوقت لكي تفهم، بأن القضية لم تنته بعد عودتهم إلى ألمانيا تماماً. كان يجب أن يمر وقت طويل لكي تشعر العائلة أنها "مرحب بها لتعيش في ألمانيا"، وأن "عليهم تعلم العيش مع نتائج ما حدث في تلك الليلة"، كما تعلق ليال.
حسن مثلاً ضيع مدرسته، لأنه غاب عنها طويلاً، كان عليه الجلوس في صفه سنة أخرى. حسن، أخوها السعيد، الضاحك تحول إلى رجل جدي. اليوم يقول ان الليلة تلك جعلته يشعر بأنه ودع طفولته في تلك الليلة.
يتبع
أطول ليلة في حياة ليال
[post-views]
نشر في: 12 أغسطس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
سعيد فرحان
هذا تهجير حريري ياسيدي ،طائرة ومطار وبرلين وبيروت (تعال وشوف حالي)هل تعرف شيئا عن مهجري ومهاجري العراق وهل سمعت يوما او قرأت هذه العبارة(مطلوب دم لا يؤجر ولا يباع)عبارة تكتب على الدار التي تركها اهلهاتحت التهديد بالقتل والتصفية الجسديةان لم يرحلوا لانهم م