في أيار 1968 أعلنت مجموعة من السينمائيين الجدد عن تكوين جماعة السينما الجديدة، واصدروا بيانا حددوا فيه مفهوم السينما، واعلنوا انهم يقفون صد المفهوم التقليدي المتخلف للإنتاج السينمائي في مصر، الذي سيطر على إنتاج القطاع العام، وانتهى البيان الى ان نشأة السينمائيين التقليديين في مصر تفسر مواقفهم، فمعظمهم لم يدخل السينما كي يعبر عن أفكار معينة أو لكي يحقق شكلاً فنياً معيناً .. ومن هنا لم يظهر في مصر في تاريخ السينما – كما رأى البيان – أي مفكر سينمائي يقف جنباً الى جنب مع السينمائيين، أصحاب التيارات مثل ايزنشتاين و روسيلليني و غودار وغيرهم..
هكذا ازدحم (مانيفستو) هذه الجماعة بروح الإصرار والمغامرة والعزم على بلورة اتجاه جديد ينتشل اقدم السينمات العربية بل والمشرقية من بلادتها وتخلفها على الرغم من وجود محطات مهمة في مسيرتها .. وان كانت هذه الجماعة قد ضمت أسماء وأعمالاً تفاوتت في أهميتها فأن البعض منها وهو قليل على أية حال استطاع ان يتواصل ويشق طريقه وسط صعوبات جمة، ليقدم سينما مختلفة فرضت نفسها عبر اكثر من ثلاثين عاماً كاتجاه لايمكن لمتابع او مؤرخ سينمائي تجاهله ..
فمن بين أسماء مثل خيري بشاره و محمد خان وعلي عبدالخالق وغالب شعث وآخرين يبرز اسم المخرج الراحل عاطف الطيب كواحد من اهم أسماء هذه الموجه بما مثله من منجز إبداعي ميزه عن أبناء جيله .. هذا الجيل الذي اكتشف في فيلم (المومياء) للمبدع الراحل شادي عبدالسلام كل عناصر السينما العربية الجديدة من حيث المضمون الحضاري والشكل التحديثي.
وعاطف الطيب الذي مرت قبل أيام ذكرى رحيله العشرين امتاز عن ممثلي هذه الجماعة بالسير في خط بياني واضح ، وان كان بعض من أفلامه الأولى مقتربا من نمط السينما السائدة إلا انه كان في كل فيلم يطمح الى تحقيق الأنضج والأفضل .. فمعظم أفلامه تبدو كما لو كانت خطوات مقصودة يؤدي كل منها الى الآخر وهي نتاج مناخ سياسي واجتماعي استطاعت بفضل أفكارها وتقنياتها اختراق السينما التقليدية السائدة..
فالدارس لسينما عاطف الطيب لايجد صعوبة في تتبع مراحل النضج والتطور في أفلامه مع المراهنة على الجديد والمغايرة ..
وهو ما منحه صفة الفرادة بين أسماء هذه الجماعة التي عجز البعض منها على المطاولة وغرق البعض الآخر في لجة الأفلام التقليدية ذات الحس التجاري فيما اكتفى البعض بعمل او بعملين على اكثر تقدير.
الميزة الأخرى التي انفرد بها عاطف الطيب مع ما تحمله من مجازفة، هو الإصرار على اختيار ملاك العمل من أبناء جيله ليحمل العمل صفة الشبابية والجدة على الرغم من فقر تجربة البعض منهم الا بما يحمله من روح المغامرة .. ويكفي ان نذكر هنا ان المصور سعيد الشيمي الذي يعد واحداً من اهم مصوري السينما في مصر قد تعاون مع عاطف الطيب في عمل ثمانية من اهم أفلامه والتي اصبح البعض منها علامة في مسيرة السينما العربية ..
وعلى الرغم من أهمية الكثير من الأفلام التي حققها الطيب إلا أن (سواق الأوتوبيس) يعد واحداً من اهم الأفلام التي انجزها بل من اهم أفلام السينما المصرية طيلة سنوات تاريخها الطويل .. فيلم مس صميم الحياة الاجتماعية المعاصرة بحرية وبجودة وقدم ابعاداً مفعمة بأسلوب جذاب وسرد مشحون وسلس في ذات الوقت.
بالرحيل المبكر لعاطف الطيب ومن قبل لشادي عبدالسلام خسرت السينما العربية الكثير .. و الشواهد واضحة.
عاطف الطيب.. في ذكرى رحيله
[post-views]
نشر في: 13 أغسطس, 2014: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...