TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > (شعراء الكراهية)

(شعراء الكراهية)

نشر في: 15 أغسطس, 2014: 09:01 م

هل يمكن أن يتألم المرء لأطفال غزة وحدهم؟ أطفال سوريا وحدهم؟ أطفال العراق ولبنان وحدهم؟ أطفال ليبيا حصراً؟ أن لا يرى هذه العيون البريئة التي تلقي نظراتها نحو العدم وهي تأسف وتسخر من مهزلة ذبحها المجانيّ؟ عيون الأطفال الصارخة هي من الطبيعة الصافية نفسها في سوريا والعراق وغزة ولبنان. من (مهازل القدر) كما يقول التعبير الشائع أن بعض العرب يضع اليوم فوارق بين الأطفال هنا وهناك ويتأسّى على من يعتبرهم الجديرين بالأسى دون غيرهم. هذا البعض يتكاثر كتكاثر القتل المذهبيّ. وهذه وضعية غير مسبوقة على المستوى العام، لكنها كارثية على المستوى الثقافيّ وقد أخرجتنا أحياناً عن أطوارنا في وسائط التواصل الاجتماعيّ أثناء التعقيب على الظاهرة.
إدانة قتل الأطفال هنا، والصمت عليه هناك، بدأت تتضح مع صعود وانتشار السلفيات الدينية والتكفيرية التي كلما أمنعت بجرائمها، أمعنت في صمتها الانتقائيّ أصوات كنا نتوسّم الخير بها. منها أصوات شعرية عربية كنا وما زلنا نرى النبل في قلوبها. هل يمكن للشعراء أن ينجرفوا بسهولة إلى التيار عديم الرحمة السائد اليوم؟. ألا يمنح الشعر أفقاً متسعاً يضمّ بين جنباته الحبّ للجميع؟. هل للشعراء تخوم وأقاليم وحدود جغرافية تجعل حبهم مقتصراً على بلدانهم، بل إزاء شريحة واحدة من الشرائح الكثيرة في بلدانهم؟. كيف سيقتنع القارئ العربيّ، من الآن فصاعداً بقصائدهم المشحونة لغوياً بالدلالات الإنسانية؟. هل ثمة كراهية في قلوب هذا البعض للأطفال المذبوحين هناك طالما أن هؤلاء الأطفال كانوا موجودين في تخوم تحكمها أحزاب وسياسات لا يوافقون عليها؟. السؤال الأهمّ والأصعب هو: هل يوجد شعراء للكراهية؟.
سؤال يجعل المرء يفتش في القواميس والكتب المتخصّصة والأنترنيت عن وجود محتمل في ثقافات العالم لـ (شعراء للكراهية). في غوغل لا يوجد موضوع مكرّس لهؤلاء، ولا يوجد موضوع عن (شعر الكراهية). بدلا عن ذلك ثمة (شعر حول الكراهية) و(شعراء كتبوا حول الحقد والكراهية)، وشتان بين الأمرين. لعل المرء سيفهم بسرعة لماذا تغيب مادة عن (شعراء الكراهية) في قاموس الأدب العالميّ طالما أن الشعراء ظلوا في ذاكرة البشرية أول حملة المشاعل النبيلة، وليس العكس. في الشعر الحديث، قد نجد قلة نادرة من هؤلاء الشعراء إبّان الحقبة النازية في ألمانيا، وقد نجد قلة أخرى في شعر الهجاء العربيّ الذي يصل في عدائه للآخر حدّ الضغينة.
الصمت، صمت (بعض؟) الشعراء العرب بشكل خاص، عن الجرائم المرتكبة بحق البشرية في العراق وغزة وسوريا ولبنان، قد يوحي بالكراهية. الصمتُ موقف أيضاً يُقال مداوَرَةً درءاً للشبهة. أليس غريباً ومثيراً أن الشعراء والكتاب الأوربيين هم المبادرون إلى إصدار بيان شديد اللهجة عن حصار غزة وإدانة قتل الأطفال فيها، بينما لم يبادر الشعراء العرب إلى بيان مماثل؟. ما هو المغزى من أن يكون شعراء وكتاب أمريكا اللاتينية أكثر أصالة في مواقفهم العلنية تجاه قضايانا. حقيقة مؤلمة، تذكّر المرء بصمتهم القديم عندما حاول الكُرد العراقيون سنوات الثمانينيات إنطاقهم ووضع تواقيعهم على بيان يتعلق بمذبحة حلبجة. عندما نراجع البيان ذلك، نتأكد من غيابهم المؤسف. القلة النادرة التي وقّعتْ عليه ظلت تتمسك بالمواقف نفسها في جميع الأوقات تقريباً.
سيقول قائل إن القتل واحد، سواءً تعلق بالأطفال أو بغيرهم. صحيح، لكن قتل الأطفال مأخوذ هنا بصفته تمثيلاً لنسق الكراهية والحقد الطائفيّ المتصاعد في المنطقة العربية إلى درجة أن الشعراء أنفسهم قد مسّهم مسّه.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. بتول

    التفاته رائعه و ذكيه

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

العمود الثامن: مسيرات ومليارات!!

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

 علي حسين في مثل هذه الأيام، وبالتحديد في الثاني من كانون الاول عام 1971، أعلن الشيخ زايد عن انبثاق اتحاد الامارات العربية، وعندما جلس الرجل البالغ آنذاك خمسين عاماً على كرسي رئاسة الدولة،...
علي حسين

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

 علاء المفرجي ليست موهبة العمل في السينما وتحديدا الإخراج، عبئا يحمله مهند حيال، علّه يجد طريقه للشهرة أو على الأقل للبروز في هذا العالم، بل هي صنيعة شغف، تسندها تجربة حياتية ومعرفية تتصاعد...
علاء المفرجي

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

رشيد الخيّون تظاهر رجال دين بصريون، عمائم سود وبيض، ضد إقامة حفلات غنائيَّة بالبصرة، على أنها مدينة شبه مقدسة، شأنها شأن مدينتي النَّجف وكربلاء، فهي بالنسبة لهم تُعد مكاناً علوياً، لِما حدث فيها من...
رشيد الخيون

الانتخابات.. بين صراع النفوذ، وعودة السياسة القديمة

عصام الياسري الانتخابات البرلمانية في العراق (11 نوفمبر 2025) جرت في ظل بيئة أمنية نسبيا هادئة لكنها مشحونة سياسيا: قوائم السلطة التقليدية حافظت على نفوذها، وبرزت ادعاءات واسعة النطاق عن شراء أصوات وتلاعبات إدارية،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram