هل يمكن أن يتألم المرء لأطفال غزة وحدهم؟ أطفال سوريا وحدهم؟ أطفال العراق ولبنان وحدهم؟ أطفال ليبيا حصراً؟ أن لا يرى هذه العيون البريئة التي تلقي نظراتها نحو العدم وهي تأسف وتسخر من مهزلة ذبحها المجانيّ؟ عيون الأطفال الصارخة هي من الطبيعة الصافية نفسها في سوريا والعراق وغزة ولبنان. من (مهازل القدر) كما يقول التعبير الشائع أن بعض العرب يضع اليوم فوارق بين الأطفال هنا وهناك ويتأسّى على من يعتبرهم الجديرين بالأسى دون غيرهم. هذا البعض يتكاثر كتكاثر القتل المذهبيّ. وهذه وضعية غير مسبوقة على المستوى العام، لكنها كارثية على المستوى الثقافيّ وقد أخرجتنا أحياناً عن أطوارنا في وسائط التواصل الاجتماعيّ أثناء التعقيب على الظاهرة.
إدانة قتل الأطفال هنا، والصمت عليه هناك، بدأت تتضح مع صعود وانتشار السلفيات الدينية والتكفيرية التي كلما أمنعت بجرائمها، أمعنت في صمتها الانتقائيّ أصوات كنا نتوسّم الخير بها. منها أصوات شعرية عربية كنا وما زلنا نرى النبل في قلوبها. هل يمكن للشعراء أن ينجرفوا بسهولة إلى التيار عديم الرحمة السائد اليوم؟. ألا يمنح الشعر أفقاً متسعاً يضمّ بين جنباته الحبّ للجميع؟. هل للشعراء تخوم وأقاليم وحدود جغرافية تجعل حبهم مقتصراً على بلدانهم، بل إزاء شريحة واحدة من الشرائح الكثيرة في بلدانهم؟. كيف سيقتنع القارئ العربيّ، من الآن فصاعداً بقصائدهم المشحونة لغوياً بالدلالات الإنسانية؟. هل ثمة كراهية في قلوب هذا البعض للأطفال المذبوحين هناك طالما أن هؤلاء الأطفال كانوا موجودين في تخوم تحكمها أحزاب وسياسات لا يوافقون عليها؟. السؤال الأهمّ والأصعب هو: هل يوجد شعراء للكراهية؟.
سؤال يجعل المرء يفتش في القواميس والكتب المتخصّصة والأنترنيت عن وجود محتمل في ثقافات العالم لـ (شعراء للكراهية). في غوغل لا يوجد موضوع مكرّس لهؤلاء، ولا يوجد موضوع عن (شعر الكراهية). بدلا عن ذلك ثمة (شعر حول الكراهية) و(شعراء كتبوا حول الحقد والكراهية)، وشتان بين الأمرين. لعل المرء سيفهم بسرعة لماذا تغيب مادة عن (شعراء الكراهية) في قاموس الأدب العالميّ طالما أن الشعراء ظلوا في ذاكرة البشرية أول حملة المشاعل النبيلة، وليس العكس. في الشعر الحديث، قد نجد قلة نادرة من هؤلاء الشعراء إبّان الحقبة النازية في ألمانيا، وقد نجد قلة أخرى في شعر الهجاء العربيّ الذي يصل في عدائه للآخر حدّ الضغينة.
الصمت، صمت (بعض؟) الشعراء العرب بشكل خاص، عن الجرائم المرتكبة بحق البشرية في العراق وغزة وسوريا ولبنان، قد يوحي بالكراهية. الصمتُ موقف أيضاً يُقال مداوَرَةً درءاً للشبهة. أليس غريباً ومثيراً أن الشعراء والكتاب الأوربيين هم المبادرون إلى إصدار بيان شديد اللهجة عن حصار غزة وإدانة قتل الأطفال فيها، بينما لم يبادر الشعراء العرب إلى بيان مماثل؟. ما هو المغزى من أن يكون شعراء وكتاب أمريكا اللاتينية أكثر أصالة في مواقفهم العلنية تجاه قضايانا. حقيقة مؤلمة، تذكّر المرء بصمتهم القديم عندما حاول الكُرد العراقيون سنوات الثمانينيات إنطاقهم ووضع تواقيعهم على بيان يتعلق بمذبحة حلبجة. عندما نراجع البيان ذلك، نتأكد من غيابهم المؤسف. القلة النادرة التي وقّعتْ عليه ظلت تتمسك بالمواقف نفسها في جميع الأوقات تقريباً.
سيقول قائل إن القتل واحد، سواءً تعلق بالأطفال أو بغيرهم. صحيح، لكن قتل الأطفال مأخوذ هنا بصفته تمثيلاً لنسق الكراهية والحقد الطائفيّ المتصاعد في المنطقة العربية إلى درجة أن الشعراء أنفسهم قد مسّهم مسّه.
(شعراء الكراهية)
نشر في: 15 أغسطس, 2014: 09:01 م











جميع التعليقات 1
بتول
التفاته رائعه و ذكيه