بسرعة متوقعة من هكذا حكومة، تمت الاستجابة إلى رغبة ملكية بإسناد صلاحية تعيين قائد الجيش ومدير المخابرات العامة للملك مباشرة ومنفرداً، وليس بتنسيب من رئيس الوزراء والوزير المختص، وتنفيذاً للتوجيه الملكي، ستقوم الحكومة الأردنية بتفعيل دور وزارة الدفاع، بدعوى أن هناك مهام واسعة وكبيرة تشغل القوات المسلحة عن أداء مهامها، علماً بأن وزارة الدفاع موجودة منذ تأسيس الدولة، لكنها مجمدة ولا تقوم بأي دور، حتى أنه ليس لها مقر، ويتولاها في العادة رئيس الوزراء منذ عشرات السنين، وكان ممكناً تفعيل دورها، وتكليفها ببعض المهام التي كانت مناطة برئاسة الأركان، ومنها الخدمات الطبية الملكية، والمؤسسة الاستهلاكية العسكرية، والمركز الجغرافي الملكي، وبعض الشركات التي تقدم خدمات للقوات المسلحة، عبر عطاءات، وهي مهمات يقول رئيس الحكومة إنها أشغلت الجيش عن مسؤوليته.
الحكومة الأردنية تبرر استجابتها لما تصفه بالإصلاحات التي أمر بها الملك، بأن من شأنها تعظيم الديمقراطية، والاستعداد للقفزات الديمقراطية المقبلة، وهي كما يتبين قفزات وهمية، مطلوب اليوم عدم إخضاعها ومنها تعيين الملك لقائد الجيش ومدير المخابرات للمضاربات السياسية، حال الوصول إلى حكومات برلمانية حزبية، وتعدُنا حكومة المُتغني بانه يُمارس الولاية العامة، بأن قيادة الجيش والمخابرات العامة ستبقى تتبع لرئيس الوزراء، دون تغيير على أسلوب العمل، أو ما يتعلق بالمحاسبة، وأن الإصلاحات الديمقراطية التي يشهدها الأردن، ستستمر وتتزايد وصولاً إلى الحكومات البرلمانية الحزبية، ما يستوجب إزالة أية تحفظات أو تخوفات من تسييس القوات المسلحة، بحيث لا تتدخل في السياسة، وفي نفس الوقت لا تتدخل السياسة في شؤون الجيش، والمطلوب في هذه الحالة، بقاء المؤسسة العسكرية والمخابرات العامة مهنية وغير مسيسة، وكأن ذلك يحتاج للتعديل الذي ينزع من الحكومة بعض صلاحيتها، ويضعها في الملك المُصان دستوريا من أية مساءلة.
تختلف رؤية الملك للحكومة البرلمانية عن رؤية الكثير من القوى السياسية والشعبية، فهو يرغب ويعمل على إعادة تعريف دور الملكية في الحياة السياسية والعامة، ولذلك بدأ بسحب الأمور السيادية المهمة من يد الحكومات، وسيواصل ذلك خلال الفترة المقبلة، ليجمعها جميعاً بين يديه، والمبرر الجاهز الذي بدأ البعض الترويج له هو حماية أمن البلاد وسيادتها، عبر منع هذه الأجهزة السيادية، من الدخول في لعبة التجاذبات السياسية والحزبية، أو المصالح الشخصية لأعضاء الحكومات والوزراء، غير أن الكثيرين يؤكدون أن التعديلات المطلوبة تصطدم بفلسفة نظام الحكم وروح الدستور، ومن الضروري مراجعتها جيداً وعميقاً قبل المضي فيها، لأنّ الملك محصّن بالدستور من المسؤولية المباشرة، ويعني ذلك أن أية خطوة لن تكون تحت المجهر، بغض النظر عن ملاءمتها لوضع البلد ومستقبله، حيث يؤيد كثيرون فكرة الملكية الدستورية، التي تمهّد الحكومة النيابية المنشودة الطريق إليها.
بالطبع هناك من يعارض رغبة الملك، حتى من "عظام رقبة النظام"، وهم يرون أن التعديلات فيها جوانب غامضة تحتاج للتوضيح، بدل معلقات المديح المتملق، ويطالبون تبعا لهذه الخطوة بتعديل المادة الدستورية، التي تقول إن الملك مصون من كل تبعية ومسؤولية، بينما يرى آخرون أن التعديلات تزج رمز البلد في أتون ملفات ملتبسة، خاصة وأن اثنين من رؤساء المخابرات دخلا السجن بقضايا فساد، غير أن جوقة النفاق ترد قائلة إن التعديلات الدستورية لا تعفي مسؤولي هذه الأجهزة من المحاسبة، وسيتم وضع التشريعات اللازمة من قوانين وأنظمة فور إنجاز التعديلين الدستوريين المطلوبين من قبل الملك.
للتذكير وإبلاغ الأجيال الجديدة كان وزراء أيام زمان يرفضون الكثير من رغبات الملك إن تعارضت مع الدستور والقوانين.
صلاحيات الحكومة للملك!
[post-views]
نشر في: 15 أغسطس, 2014: 09:01 م