TOP

جريدة المدى > مقالات رئيس التحرير > تصدير الأزمات خيار المستبدّين والفاشلين:إصلاح السياسة الخارجية بين المهام الملحة للحكومة المقبلة

تصدير الأزمات خيار المستبدّين والفاشلين:إصلاح السياسة الخارجية بين المهام الملحة للحكومة المقبلة

نشر في: 15 أغسطس, 2014: 09:01 م

لا يمكن الفصل بين السياستين الداخلية والخارجية ، فهما وجهان لعملة واحدة، تتأثران ببعضهما، وتكمل كل منهما الأخرى، سلباً او ايجاباً. النظام الدكتاتوري والحاكم المستبد يحتاجان الى جوارٍ متوتر، وعلاقات مأزومة معه ومع المحيط الاقليمي والعالم لتخفيف الضغط

لا يمكن الفصل بين السياستين الداخلية والخارجية ، فهما وجهان لعملة واحدة، تتأثران ببعضهما، وتكمل كل منهما الأخرى، سلباً او ايجاباً. النظام الدكتاتوري والحاكم المستبد يحتاجان الى جوارٍ متوتر، وعلاقات مأزومة معه ومع المحيط الاقليمي والعالم لتخفيف الضغط الداخلي ، وصرف الأنظار عما يُقترف من كبائر بحق الشعب.

وكلما اشتد الخناق على النظام والمستبد في الداخل، وتنامت عزلتهما، عمدا الى تصدير أزمتهما الى الخارج، وافتعال شتى الذرائع، لإشاعة وهم عن عدوٍ خارجيٍ متربص وعدوانٍ وشيكٍ على البلاد في اطار مخططٍ "تآمري" يستهدف السيادة والاستقلال والأمن الوطني.
وقد تفنن نظام البعث في تصدير أزماته الداخلية الى الخارج، والتصعيد الى حد إشعال الحرب العراقية الإيرانية ثم احتلال الكويت . 
ولم يتعفّف نظامنا "الديمقراطي"الأسير لهوس الحاكم ونرجسيته الطاغية ومطامعه الشرهة، عن اعتماد نهج تصدير الأزمات، وان بأساليب ووسائل بدائية، سرعان ما تنقلب عليه اذ ينقلب هو على ادعاءاته، كما كان الحال مع الحملة ضد النظام السوري واتهامه بإيواء التنظيمات الإرهابية والبعثية وتدريبها وتسليحها وتمكينها من اختراق الحدود بالمفخخات والانتحاريين وإلحاق الكوارث بالمواطنين الأبرياء، وتدمير الوزارات ومؤسسات الدولة، وهي اتهامات كانت تستند الى وقائع ثابتة! ثم ينقلب الوضع ليتحول الحاكم العراقي القادم من المجهول الى حليف الحاكم السوري "المتآمر"عليه، وعضيده بدعوى رد الإرهاب الطائش الذي تحول الى وحش كاسرٍ يجتاح ثلث الأرض العراقية ويسبي بضعة ملايين من العراقيين!
ودون إنكارٍ أو إخفاءٍ لحقائق الوضع ومستجداته بعد الاحتلال الأميركي وإسقاط الدكتاتورية، والمتمثل في الاستقطاب السياسي والطائفي الذي شمل المحيط العربي والإقليمي، مستَنفَراً ضد ما سُمي بـ "العراق الجديد "وما قيل عن تحوله ديمقراطياً، فإن التعامل معه، كان مجرد رد فعلٍ سلبى، واستخفافٍ بالعواقب من عزلة النظام الجديد، وبقدرات الدول والأوساط المستَفَزة والكارهة لما جرى من تحول في المواقع الطائفية في الحكم، ارتباطاً بالتوصيف السكاني.
لكن القوى المقررة في العراق الجديد، لم تول الاهتمام المطلوب بإطفاء جذوة الفتنة المتوقدة في المحيط العربي والإقليمي، حتى مع ما كان يعنيه ذلك من تنازلاتٍ غير مخلّة أو مرونة كافية، لإشاعة قدرٍ من الثقة والطمأنينة في الأوساط الحاكمة المعنية بمتابعة قلقة للأوضاع في العراق، كذلك لم تحاول تخفيف وقع الإثارة السياسية في وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية وانعكاسها في الإعلام العربي، بتركيزها على ان ما جرى في العراق ما هو سوى "پروفة "أولية لابد ان تزحف نحو الأنظمة "الشمولية والأوتوقراطية المتخلفة "!
وقد جرى ماجرى من وقائع وتطورات، أدت الى انجرافٍ كارثي نحو تصاعد العمليات الارهابية، وبروز مظاهر مواجهة طائفية تغذت من تشجيعٍ وتمويلٍ ودعم خارجي، لكن أساسها انطلق من تراكماتٍ وأخطاء ارتكبتها القوى المتصارعة في الداخل، وفي قلب العملية السياسية، اعتمدت الشحن الطائفي والمذهبي، وكادت ان تؤدي الى حربٍ أهلية، لولا توفر عوامل إطفاء الحريق وهو على شفا الانتشار.
ورغم مرور عشر سنواتٍ واكثر على التغيير، فان الاحتقان والتوتر والأزمات ظلت سمة العلاقات مع الخارج. ولم تكن تلك الحالة التي دخلت نفق استعصاءٍ مزمن، بمعزلٍ عن النهج والسياسة المغامرة الفردية المتميزة بالتشدد، والارتجالية للسيد نوري المالكي، في التعامل مع الدول المجاورة والعربية، وبوجه خاص مع المملكة العربية السعودية وبلدان الخليج، وتوظيف العلاقات البينية معها لتبرير إخفاقاته في معالجة استشراء الإرهاب، والفشل في إدارة ملف العلاقات الوطنية، ومحاصرة الخلافات بين المكونات العراقية.
ان التكليف الرئاسي للسيد حيدر العبادي بتشكيل الحكومة، فرصة يجب اقتناصها وتوظيفها لإجراء إصلاح عميق في السياسة الخارجية، وفي الخطاب السياسي الخارجي، وتوحيدهما في اطار مهام وواجبات وزارة الخارجية، والحد من الدخول الشاذ على تلك المهام من أية جهة كانت في الحكومة او البرلمان او قادة الكتل السياسية.
وقد بدت بوادر إيجابية تشكل منصة هامة للحكومة المقبلة لمعالجة الخلل المزمن في العلاقات البينية مع الخليج والسعودية، كان من ابرزها الترحيب الحار للتكليف الرئاسي، وإبداء الاستعداد للتعاون مع الحكومة القادمة.
ويجدر في هذا السياق، التأكيد على لزوم التخلي عن "أدلجة "السياسة الخارجية للدولة، والتمييز في التعامل مع الظاهرات الخارجية، بين مواقف الأحزاب والكتل والتجليات المكونية، من جانب، ومواقف الحكومة من جانب آخر.
ان مصالح الدول تظل في سلم الأولوية لحكوماتها، وكلما كانت الحكومة اكثر نضجاً وحكمة، وحرصاً على المصالح الوطنية العليا، كلما كانت اكثر توازناً ورشاداً، وابتعاداً عن الانزلاق الى المجابهة مع الدول الاخرى، من مواقع انعزالية وفئوية ضيقة .
إن من الخطأ تصور نجاح مسعى الحكومة القادمة لتجاوز خرائب سابقتها، وإطفاء الحرائق التي أشعلتها، والتصدي للإرهاب وإزاحته عن كاهل العراق والعراقيين، والشروع بعملية تنموية نشيطة، دون إقامة اوثق العلاقات البناءة مع المحيط العربي والإقليمي والدولي.
ومثل هذه العلاقات من شأنها ان تدعم الجهد الوطني لإعادة اللحمة الوطنية بين كل المكونات والقوى، وإشاعة أجواء من الثقة بين صفوفها، وتمكينها من لتفرغ لعملية إعادة الإعمار واستكمال بناء الدولة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. صادق الوردي

    لم تأتي الحكومات بعد احتلال العراق الابشيءواحدفقط هو تعميق الجرح الطائفي وكيفيه انتشاره وتصديره الى خارج العراق وافتعال الازمات مع دول الجوار

يحدث الآن

بالحوارِ أم بـ"قواتِ النخبة".. كيف تمنعُ بغدادُ الفصائلَ من تنفيذِ المخططِ الإسرائيلي؟

تحديات بيئية في بغداد بسبب انتشار النفايات

العراق بحاجة لتحسين بيئته الاستثمارية لجلب شركات عالمية

الكشف عن تورط شبكة بتجارة الأعضاء البشرية

مركز حقوقي: نسبة العنف الأسري على الفتيات 73 % والذكور 27 %

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram