علي عبد الأمير صالح تركيا الحديثة مكان مليء بالتناقضات ــ يضع قدما ً في أوربا وقدما ً في آسيا، يتعلق بين الحضارة الغربية وقيود الإسلام التقليدي وحائر بالفوران السياسي والعنف. ما من كاتب معاصر استطاع أن يحيي هذا العالم المعقد للقراء الغربيين مثلما فعل الروائي الحائز على جائزة نوبل للآداب أورهان باموق.
في روايته السايكولوجية العميقة التي صدرت حديثا ً (متحف البراءة)، نرى استانبول في عقدي السبعينات والثمانينات الصاخبين عبر عدسة قصة حب محكوم عليها بالفشل. كمال خطب فتاة ً جميلة ً وذكية ً من طبقته الاجتماعية تُدعى سايبل ــ ومع ذلك يقع هو بصورة ٍ عميقة ٍ ومتعذر تغييرها في غرام فتاة ٍ فقيرة ٍتمت إليه بصلة قرابة بعيدة، اسمها فوسون. حين يرفض كمال أن يترك سايبل، تختفي فوسون عن الأنظار. لا عزاء له، يعود يوميا ً تقريبا ً إلى المكان الذي كانا يمارسان فيه الغرام، يداعب ويداري الأشياء التي لمستها يوما ً ما كما لو أنها ما تزال تحتوي أثرا ً ما منها. يغوص أعمق فأعمق في اليأس والقنوط، منسلخا ً عن كل الناس المحيطين به عدا سايبل، التي ارتبطت به بالقدر نفسه من الحب ومن العار الذي ستواجهه إذا ما فسخا خطوبتهما. لكن كمالا ً لا يستطيع أن ينسى فوسون، وسوف يكرس حياته من أجل امتلاكها ــ أو في الأقل، امتلاك الأشياء التي تذكره بها ــ حتى إلى درجة أن يحطم نفسه، والذين يحبهم كل الحب. مع أن راوي باموق مخلص بصورة ٍ عميقة ٍ ــ يفكر في فوسون فقط، وقلما تلفت السياسة انتباهه على الرغم من العنف اليومي الجاري في شوارع استانبول ــ هذه الرواية تصور زمانها ومكانها بطريقة ٍ نابضة ٍ بالحياة. فيما يتذبذب الغلاف العلوي لإستانبول بين المواقف " الحديثة " نحو الجنس وبين طاحونة الشائعة الفاسدة أخلاقيا ً والمفروضة ذاتيا ً التي تقوّي القيم التقليدية، تُترك شخصيات باموق كي تجتاز القواعد والعادات الاجتماعية المعقدة ــ بعضها تحدد حريتها، وبعضها الآخر، الأمر الذي يثير دهشتنا (وينال ثقة باموق)، تتيح لهم أن ينعموا بالسعادة. الشيء اللافت جدا ً في هذه الرواية الجميلة هو أن باموق يفلح في نقل هذا كله فيما هو يسرد لنا القصة من خلال عيني راو ٍ هو، على غرار بطل نابوكوف هومبرت هومبرت، منهمك جدا ً بهاجسه بأنه يبدو قليل الاهتمام بالعالم المحيط به. إنما على غرار(لوليتا) التي تنبجس بوصفها نوعا ً من بورتريه لـ أمريكا، مثل هومبرت ولقائه بـ لوليتا في موتيل (فندق على الطريق العام) في وقت ٍ من الأوقات، هكذا تقف رواية (متحف البراءة) ليس فقط بوصفها قصة ً حول رجل والمرأة التي يحبها، إنما أيضا ً حول رجل ومدينته ــ أناسها، ومطاعمها، وموسيقاها، وتقاليدها المتغيرة أبدا ً والمجرى المائي المهيب الذي يفصل الشرق عن الغرب، المجرى الذي يمر بوسطها.
(متحف البراءة).. رواية جديدة لأورهـان بامـوق
نشر في: 6 ديسمبر, 2009: 04:20 م