أخيراً وجد البرلمان الليبي نفسه مُجبراً على دعوة الأمم المتحدة، للتدخل والضغط على الفصائل المسلحة، الرافضة لوقف إطلاق النار، بهدف حماية المواطنين من الخطر ومنع تقسيم البلاد، لكن ذلك أسفر فوراً عن تظاهرات حاشدة، انطلقت في عدد من المدن الليبية رفضاً لدعوات التدخل الأجنبي في البلاد، التي تشهد فوضى أمنية هائلة، منذ إسقاط نظام العقيد القذافي، وتصاعدت حدتها مؤخراً، وفي الأثناء قام الائتلاف السوري المعارض، بدعوة المجتمع الدولي للتدخل عسكرياً في سوريا، لمحاربة التنظيمات المتطرفة، وهي ليست المرة الأولى، فقد سبق للائتلاف الدعوة لتدخل عسكري ضد نظام الأسد، أما اليوم فهي ضد مئات التنظيمات المسلحة، المُرتبطة بجهات خارجية والممولة من عدة جهات، وتناسى الطرفان أن المجتمع الدولي تدخل في أكثر من قطر عربي، مُخلفاً نتائج كارثية، لعل أبسطها دعوته للتدخل مُجدداً، وربما إعادة حقبة الاستعمار إلى المنطقة، بناءً على "رغبة الشعوب وطلبها".
يؤكد مجلس النواب الليبي، بعد عدم قدرته على عقد جلساته في عاصمة البلاد، امتلاكه العديد من الأسباب لطلب تدخل المجتمع الدولي، للضغط على المتنازعين ومؤيديهم الخارجيين، بوجوب فرض الأمن في كامل ربوع البلاد، خصوصاً وأن الاطراف المتنازعة لم تمتثل لقرار دولي سابق، دعا إلى وقف فوري وشامل لإطلاق النار والاقتتال، بالطبع لقي قرار النواب معارضة شعبية، تمثلت بتظاهرات عمت المدن الليبية الرئيسة، رفضت التدخل الأجنبي وأعلنت تأييدها للواء حفتر قائد عملية فجر ليبيا، الهادفة لتحجيم تأثير الميليشيات الإسلامية المتنازعة، وفرض سيادة القانون وتوحيد البلاد، في ظل سلطة مركزية قوية وفاعله.
بالطبع يمكن لأي مراقب ملاحظة تلكؤ المجتمع الدولي اليوم، في معالجة الوضع الليبي، واستذكار أن هذا المجتمع سارع إلى قصف قوات القذافي، ومنعها من دحر الثوار الذين تثبت الأحداث اليوم، أنهم مجرد أدوات تتلاعب بهم مشيخة قطر العظمى، وتزودهم باحتياجاتهم من المال والسلاح، لتعم الفوضى التي دفعت آلاف العائلات، للنزوح من المدن التي تسودها الفوضى، كما يمكن ملاحظة أن هذا المجتمع تلكأ سابقاً في نصرة الثوار السوريين، بينما هو يستعد اليوم للتدخل ضد سيطرة داعش على جزء من أراضي العراق، وبمعنى أن دحر دولة الخلافة في بلاد الرافدين، سيضعف موقفها العام وفي بلاد الشام، خصوصاً إن توحد الموقف السني في البلدين، ضد تعصبها ودمويتها وظلاميتها.
وبعد، هل يمكن القول إن "الربيع العربي"، الذي انطلق شعبياً بحثاً عن الحرية والديمقراطية والمشاركة في السلطة، قد جرى "تجحيشه" بفعل تدخل مشيخة قطر، وتحويله إلى مطية لتوصيل الإسلام السياسي إلى الحكم، بما يمثله من تفرد وإقصاء وتهميش، مارسه الإخوان حين استحكموا بمصر، قبل أن ينقلب الشعب عليهم ويستعيد بعض أهداف الثورة، وهاهو اليوم يبرز بأسوأ أشكاله، على يد مجاميع الإرهاب الداعشي المنفلتة من عقالها، وتهدد بنشر التخلف والفوضى والموت والدمار، حيثما وصلت سيوف أتباع خليفة المسلمين، الطالبين للجزية والسبايا "بشكل مؤقت"، بانتظار الوصول إلى الحور العين وأنهار الخمر والعسل واللبن، حال نيلهم "شرف الشهادة"، مع سؤال كبير عن منابع القوة التي يتمتع بها هذا التنظيم، منذ بروزه لاعباً قوي الشكيمة في سوريا، التي فشل "جيشها الحر" رغم مساعدة مشيخة قطر في إطاحة نظامها، فتحولت المساعدة إلى تنظيم أقدر على تحقيق أهداف المشيخة ومن هم وراء هذه الأهداف.
انطلق ربيع العرب للتخلص من الحكام الطغاة، وتحول على يد الإسلام السياسي إلى استجداء الدول الاستعمارية للعودة إلى المنطقة وحكمها " بالعدل والإحسان".
التدخل الأجنبي المطلوب
[post-views]
نشر في: 17 أغسطس, 2014: 09:01 م