تتواصل في القاهرة مفاوضات ماراثونية، للحفاظ على وقف إطلاق نار هش يسود قطاع غزة، بينما يتمسك الجانبان الفلسطيني والإسرائيلي بمواقفهم المتباعدة، عبّر عن ذلك نتنياهو، بالقول إنه لن يقبل أي اتفاق لوقف إطلاق النار، إلاّ بعد الحصول على استجابة ملموسة لما يصفه بالاحتياجات الأمنية للدولة العبرية، باعتبار أن حماس مُنيت بخسارة عسكرية كبيرة، ولا يجب أن تخرج من مفاوضات القاهرة بأي نجاح سياسي، وأنها إذا اعتقدت أنها ستغطي خسارتها العسكرية بإنجازات سياسية، فهي مخطئة، وشدد أن مواصلة حماس إطلاق الصواريخ لن تدفعه إلى تقديم التنازلات، وسرعان ما ردت حماس قائلة، إن الطريق الوحيد للأمن هو أن يشعر به الفلسطينيون أولاً، وأن يرفع عنهم الحصار، وأكدت التمسك بتحقيق مطالبها وعدم التراجع عنها، باعتبارها حقوقاً إنسانية ليست بحاجة إلى كل هذه المعركة والمفاوضات، وأضافت أن الكرة الآن في الملعب الإسرائيلي.
يتفاوض الجانبان على أساس مبادرة مصرية، تقول إسرائيل إنها تضمنت بنوداً عديدة مثلت إشكالية لحكومتها، وأنه مادامت تلك المبادرة تضع قيوداً على إٍسرائيل من المنظور الأمني، فإنه سيكون من الأفضل رفض هذا المقترح، والحفاظ على حرية الجيش الإسرائيلي في تنفيذ عملياته، وفي المقابل تصر حماس على إنهاء الحصار، وتشدد على التمسك بسلاحها، وتهدد بحرب استنزاف إذا لم توافق إسرائيل على مطالبها، وتؤكد انتصارها وضرورة تعزيز هذا الانتصار العسكري بانتصار سياسي، وهو ما يعتبره نتنياهو وهماً، وبعيداً عن هذه التصريحات وبغض النظر عن تشددها، فإن المعضلة تكمن في إصرار حماس على أن تتعهد إسرائيل برفع الحصار عن قطاع غزة، قبل انتهاء المباحثات بين الجانبين، رغم أن المبادرة المصرية لم تتضمن نصاً واضحاً على ذلك، واكتفت بالإشارة إلى فتح نقاط عبور مغلقة، بموجب اتفاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
يطرح كل ذلك تساؤلاً مشروعاً عن إمكانية توصل الطرفين إلى اتفاق حول مسألتي رفع الحصار عن القطاع ونزع سلاحه، قبل انقضاء فترة وقف إطلاق النار، خصوصاً مع قرار إسرائيلي برفض مقترح القاهرة بالوقف الدائم لإطلاق النار، ورفض البدء في بحث ميناء ومطار في غزة، وهو ما يعني عندها فتح منطقة حرة للصواريخ، دون تسوية موضوع نزع السلاح، مع تواصل التفكير بوقف لإطلاق النار من جانب واحد، باعتباره حلاً بديلاً للاتفاق، إن لم يكن كافياً على المستوى الأمني، علماً بأن فكرة وقف واقعي للمعارك دون اتفاق لوقف اطلاق النار، متداولة منذ فترة في إسرائيل.
في الأثناء ثمة من يعمل وكأن اتفاق الطرفين رغم حدة التصريحات تحصيل حاصل، فيُرتب لعقد مؤتمر دولي للمانحين بداية الشهر المقبل، لوضع خطة إعادة إعمار غزة، وهي خطة تعلن حماس أنه ستكون لديها معها مشاكل سياسية، لم تشأ الإفصاح عنها، غير أن المُعتقد أنها ستكون مع السلطة وإسرائيل في آن معاً، يعني ذلك ان ما يدور في القاهرة هو لعبة عض أصابع، تنتظر من يعترف بأنها أدمته، فيوافق على ما كان يرفضه، إسرائيل تعتمد على قوة نيرانها، وعلى علاقات دولية يبدو أن المعركة الأخيرة هزّت أسسها، إن لم تكن عصفت بها، وحماس تعتمد على صمود مواطنين، ليس أمامهم أي خيار آخر، غير تقبل الموت والدمار، وفي النهاية يبدو أننا سنكتشف متأخرين أن الحياة مفاوضات.
الحياة مفاوضات
[post-views]
نشر في: 18 أغسطس, 2014: 09:01 م