جرب ان تقول لإنسان سليم انك عاجز وسترى كيف تحبطه وتؤثر على معنوياته ، وجرب ايضا ان تقول لإنسان عاجز او ضعيف البنية انك قوي وقادر على العمل وموهوب فستراه يبدع ويبذل قصارى جهده ليحقق شيئا ويثبت انه لا يختلف عن البشر الأسوياء ..
قبل سنوات جربت ان اقول من خلال الصحافة لفتى فقد ذراعيه منذ ولادته انك موهوب وقوي حين التقيت به في معهد للمعاقين وكان قد أتقن استخدام الالة الطابعة بأصابع قدميه ...بعد نشر الموضوع ارسل لي رسالة شكر مكتوبة ( بقدميه ) طالبا مني إيجاد عمل له ، وباستخدام الصحافة ايضا ، نشرت رسالته ووجد نداؤه مجيبا في دائرة الرعاية الاجتماعية فعين فيها كاتبا على الالة الطابعة ..بعد سنوات ، التقيت الشاب في دائرته مصادفة ..كان قد غدا رئيسا لقسم الطابعة كما افتتح محلا قرب منزله ليصلح فيه الأجهزة الكهربائية ( بقدميه ) وكان قد طور موهبته في الرسم والكتابة ( بقدميه ) ايضا ..نسيت ان اقول لكم ان الابتسامة والأمل بالحياة لم يفارقا ملامحه منذ تعرفت اليه صبيا وحتى رأيته شابا ..قال لي في اللقاء الثاني انه قرر اما الزواج او السفر بعد ان كبر أشقائه الستة الذين كان يعمل لينفق عليهم ...تمنيت له التوفيق وتركته منذهلة من قدرته على تحويل الاحلام الى حقائق ..كان آخر ما سمعته منه انه سيواصل العمل ليشعر بوجوده على خارطة الحياة ففقدان ذراعيه لن يكون عائقا أمام تحقيق طموحاته ...
لا أدري ان كان ذلك الشاب قد تزوج وكون عائلة او سافر ليعمل ، لكن ما اعرفه ان كلماته تلسعني دائما بسياط القوة كلما وهن عزمي وفكرت ان القي بأسلحتي وأغادر الساحة بهدوء !
تذكرت الشاب المعاق حين تعاقبت تصريحات غربية وعربية عما آل اليه حال العراق بعد سنوات حكم المالكي وكيف تحول الى ارث ثقيل سيرزح على أكتاف من سيحمله ..البعض وصفه بالبلد المنهار وآخرون قالوا انه لم يعد العراق الذي يعرفونه ..باختصار فقد تخيلت بلدي كسيحا معاقا يحتاج الى معجزة لينتفض على عوقه ويكمل مسيرته بنجاح ..انه كذلك الشاب المعاق بانتظار مساعدة حقيقية ليحقق أحلامه..
نحن نعيش في عالم مليء بالأوجاع والأخطاء والتعب لكن هذا لا يعني ان نموت فكل شيء يمكن ان يولد من جديد ، وانساننا العراقي مازال يتمتع بشجاعة الحياة فهو يفعل ما يجب عليه رغم الإخطار والعقبات والضغوط لكنه بحاجة الى يد تساعده وتبنيه من الداخل فبناء الأوطان لا يكتمل الا ببناء المواطن ولا يكتمل بناء المواطن الا بتوفير الحياة الكريمة له ..عندها فقط ، لن يكون البلد عاجزا اذ سيكون ابناؤه قادرين على تحويل الاحلام الى حقائق ..
هذا ما ننتظره من الحكومة الجديدة ..ان تمد يد المساعدة لشعبها وان تنتفض على حالة العوق التي أصابت البلد بديمقراطية وشراكة حقيقية يكون فيها الشعب آمنا ومستقرا وحرا بأقواله وأفعاله فمن حق العراق ان يذهل الآخرين من جديد بقوته وعطائه حتى لو غدا فجأة منهارا وكسيحا ..بفعل فاعل !
بلد معاق
[post-views]
نشر في: 18 أغسطس, 2014: 09:01 م