نحن معشر من "هانت مطامحنا" على حد تعبير الجواهري في "دجلة الخير"، لا نأمل من الحكومة الجديدة، الا تدابير تعيد مليونا و٧٠٠، الف نازح من كل الطوائف الى منازلهم، قبل هطول الامطار، وتخليص الاطفال في مدن الحرب، من رعب الرصاص والقنابل. واشاعة مبادئ العمل المشترك كبديل لفكرة ان هناك قبيلة تريد ابادة القبائل الاخرى. وعلى ايقاع التغيير المنشود، ولو ب"المطامح الهينة"، يسود فرح وأمل.
وكنت احدث اليوم حكيماً متعقلاً هو نائب بارز في البرلمان، اسأله: الى اي حد تنشغل مفاوضاتكم بصناعة الضمانات المطلوبة لعدم تكرار الاخطاء، والتخلص من الارتجال والتسرع في اتخاذ القرارات. كم ساعة انفقتم على بحث ضوابط ذلك وقيوده، والى اي حد يمكن لامثالي ممن هانت مطامحهم، ان يطمئنوا؟
الرجل ادلى بشجون وشؤون في هذا الاطار، لكنه شاركني القلق بشأن النتائج، فكبار القوم وصغارهم تتشتت الافكار في رؤوسهم وتتلعثم ألسنتهم، وهم يشهدون تقاسم الوزارات (عقود، مليارات، نفوذ). والوقت الذي يخصص لهذه الغنيمة، اكثر من القلق المتصل بنهج الحكم ومنع اخطاء الحقبة المنقضية.
قلت لصاحبي: وما قيمة "العقود والنفوذ والمليارات" اذا تفاقم الخطأ وتهاوت المدن واختل النظام، وصرنا مجرد شعب نازح، بين التلال والهضاب والبساتين المحترقة؟ فأجاب: ولماذا تتظاهر بالسذاجة امامي، وقد رأى الجميع في ازمة داعش الحالية، ان الارهاب هدد الفقراء، اما السلاطين وأهلهم وبطانتهم، فقد حصنوا المال والبنين، وبعضهم ازداد ثراء، مثل اي تجار حرب؟
لم يشأ الرجل ان يحيطني باليأس، ولم أشأ ان اجعله يشعر بأني متأثر من اعادة استيعاب هذه الحقيقة، لكننا اتفقنا على ان العدد الكبير من الفاسدين الكبار، يتطلب جهدا اكبر ومواقف اكثر شجاعة، من بقية العقلاء العراقيين، للتمسك على الاقل بما هان من مطامحنا.
وقد انهيت المكالمة محاولا ان اتابع اخبارا عن تقهقر داعش، باحثا عن امل يولد من بين رمادنا، وفي الاثناء قرأت تصريحاً مليئاً بالصلافة، لبعض ناقصي الحكمة، وهو يريد الايحاء بأنه قريب من جهود تشكيل الحكومة، وله رأي مقرر في اطارها. يسألونه عن اسماء وشخصيات قيل انها مرشحة لحقائب وزارية، فينفي ذلك بشدة، لان بعض هؤلاء "مطلوبون للقضاء"، وهو يتحدث عن المذكرات سيئة الصيت التي صدرت بحق موظفين كبار مرموقين خلال العامين الاخيرين، بشكل خارج كل المعايير القانونية والدستورية. ولست قلقاً كثيراً من امثال هذا "المتصالف"، واحسبه بعيدا عن تأليف الوزارة، لكننا نعرف ان هذا النمط من الصلف، يتحرك في رؤوس كثيرين، لا يمتلكون العدة النفسية اللازمة، لفتح صفحة جديدة، او التقدم بحزمة اصلاحات ضرورية. واذا فرحنا بتغيير رأس الفريق العاجز، وتفاءلنا بالوعود الاصلاحية للتحالف الوطني ومرشحه، فان علينا ان نتذكر ان المعركة مع العقول المنغلقة لن تنتهي بسهولة، ولدى هؤلاء قدرة تشويش وصراخ يفت العزيمة احيانا ويبلبل الاجواء، ولعل خبرة ١١ عاماً مع نتائج الحماقة، تمنحنا القدرة على عزلهم، كما وفرت المناخ المناسب لاستبدال رأس فريق السلطة الذي اغرقنا في الخيبة.
اننا امام سنة ستنتهي ولم نتابع خلالها الملفات المهمة. غرقنا في الحرب والتهديد بالانبار، ثم فاجأنا "الخليفة" على جبهة ذات حدود مع اربع دول، فغابت مناقشاتنا لمشاكل التنمية، وغابت متابعات ملف النزاهة، كما توارى ملف حقوق الانسان، وهو انسان لم يعد في الشهور الاخيرة، يحلم بأكثر من خيمة تستر عرضه حين ينزح. في هذه السنة، لم نناقش ملوحة شط العرب ووضع البصرة، اثرى مدن الشرق، والمدينة البحرية الوحيدة في العالم، التي لا تمتلك محطات لتحلية مياه البحر. واجبرنا نقص حكمة السلطان على الوقوف عاجزين حزانى، امام مأساة آمرلي وسنجار وسهل نينوى، والنازحين بألم من الانبار وتكريت وسواها، ومخاوف المذبوحين منذ ١١ عاماً، في بغداد بمفخخات "الجهاديين".
ان تنقية هذه البيئة، من "المتصالفين"، يتطلب ثورة في النظام الاخلاقي برمته، لصوغ ضمانات سلام متحضر. وهذه معركة لم تبدأ بعد.
مطامحنا التي هانت
[post-views]
نشر في: 18 أغسطس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو اثير
لا خلاص للعراق وشعبه ألا بتغيير الطاقم الفني على المشهد السياسي برمته وبدون أستثناء مثل ما فعل اشعب المصري الشقيق عندما غير نظامين سياسيين في عام واحد وفي غير ذلك سنظل ندور في حلقة فارغة الى أن ينقضي العمر والمهم هو ليس أعمارنا .. ولكن أعمار أبنائنا وأحف