استبشر العراقيون المبتلون بداء الفساد المستشري في دوائر الدولة ومؤسساتها حتى "اخمص القدمين"، بتأكيد السيد العبادي وعزمه على الاستجابة لطلب مرجعية النجف بمكافحة الفساد، وملاحقة الفاسدين، واعتبار ذلك من بين المهام الملحة المباشرة لحكومته. والمرجعية اذ
استبشر العراقيون المبتلون بداء الفساد المستشري في دوائر الدولة ومؤسساتها حتى "اخمص القدمين"، بتأكيد السيد العبادي وعزمه على الاستجابة لطلب مرجعية النجف بمكافحة الفساد، وملاحقة الفاسدين، واعتبار ذلك من بين المهام الملحة المباشرة لحكومته.
والمرجعية اذ تولي هذا الاهتمام الاستثنائي باقصاء الفساد من مَركب الدولة، وازاحته عن كاهل الناس المرهقين بنتائجه، لا بد أنها تدرك مدى خطورة هذه الآفة التي شاعت، حتى انها اصبحت صهراً مقرباً من الفريق الحاكم، تصول وتجول في كل مرافقنا الحيوية، وتتخذ ما تشاء من القرارات الاقتصادية والسياسية، عبر وكلائها، ان لم يكن مباشرة، وتتحول الى صانعة قرار.
ولا بد ان المرجعية، وكذلك السيد العبادي، تابعت مجريات الانتخابات الاخيرة وبروز "دواعش مالية" فيها، كممولين لقوائم، ومرشحين فيها، ومؤسسين لحركات وأحزاب ومنظمات ووسائل اعلام، حتى ان فاسداً من حيتان التحايل على الدولة اسس عشية الانتخابات عدة قنواتٍ فضائية واعلن حزباً يضم وجوهاً ووزراء سابقين تمرغوا في كل وحلٍ من الاوحال التي أنتجتها المنظومة السياسية المتداعية الاركان.
ويعرف السيد العبادي، ولعله اطلع عن قرب على ذلك، سلوك اطراف نضحت بالفساد في مجرى الحملات الانتخابية المُضلِلَة، برز خلاله مرشحون كانوا حتى الامس القريب يلتقطون رزقهم من سلال ارزاق الدولة، فصارت لهم مكاتب فخمة في محافظاتٍ عريقة. يوزعون على الناخبين اموالاً وهدايا عينية ثمينة، وأراضيَ اميرية، حصدوا بها عشرات الاف الاصوات والمقاعد الذهبية، وتباهى احدهم امام عدسات التلفزيون بصكوك عقارية لناخبين حتى اخذ يتوعدهم، اذا هم تخلوا عن التزام قائمته ومرشحيها. ورغم انه لم يحصل على اصوات كافية، اصبح نائباً رغم هيئة النزاهة وجهاز القضاء المسؤول عن ملاحقة الفاسدين.
ان المرجعية، التي ظلت تندد بالفساد في خطب وكلائها في كربلاء والنجف، تُدرك ان الفساد والارهاب وجهان لعملة واحدة، يتكئ الواحد منهما على الاخر، وليس ممكناً إلحاق الهزيمة بداعش والارهاب، قبل تصفية الحساب مع الفاسدين، وبالتلازم بينهما.
إن صدقية تصدي الرئيس المكلف لهذا الملف الخطير، ستتجسد في اصراره على سحب الملفات من ادراج رئيس الوزراء المنتهية ولايته، و"التعهد له " بانه قمينٌ باستكمال نواقصها التي اشار اليها في خطب الاربعاء، وكشفها وتقديمها الى القضاء. ومثل هذا الموقف، يتطلب جسارةً وحزماً مطلوبين من مكلف وقع عليه الاختيار، لاختبار امكانية العبور من طاحونة الازمات، الى انقاذ العراق، واعادة تأهيله وطنياً. ولن يكون لاظهار المستور من الملفات المذكورة، تأثير على عملية وقف استنزاف الاموال العراقية من النهب والسلب فحسب، بل ان في ذلك انهاء للرشق بالملفات، وتهديد الخصوم السياسيين بها، وربما لاقتسام الاسلاب معها.
لم يعد سراً أن احدى المظاهر الخطيرة للفساد المالي والاداري، تتمثل في "التعاقد من الباطن" بين مسؤولي الدولة بمختلف مراتبهم ومستوياتهم في الجهاز الحكومي، والشركات ورجال الاعمال الذين بات كل واحدٍ منهم معروفاً في الاوساط السياسية وبين الناس، كوكيلٍ معتمد لاحد اقطاب السلطة او لذوي قرباه، بل ان بعض الوزراء، اعتمدوا اخوتهم او ابناءهم او اصهارهم، لتوقيع العقود والاتفاقيات واستلام الرشى والحصص " نقداً " او عيناً، تترجم الى شقق وعمارات في دول الجوار.
ويكاد كل واحد من هؤلاء الاقطاب في المال والاعمال من العراقيين والعرب من "اهل الملة"، يقول عبر سيماء في وجوههم وبطونهم المنتفخة "هذا انا" فليس لكم الا تبليط البحر! بعض هؤلاء امضى سنوات في تدوير عقودٍ بالملايين، دون ان ينجز ما عهد اليه، بل استطاع ان يُزيد على قيمة العقد بالتواطؤ من الباطن ايضاً، بتلفيق عذرٍ مشروعٍ كان وراء "تأخر الإنجاز"، فدواعي الزيادة ماهي الا بسبب التضخم وارتفاع اسعار الدولار واكلاف المعيشة..!
والروايات حول هؤلاء، وأشكال إفسادهم للضمير العام، وتلويثهم لذمم المسؤولين الكبار، هي من الغرابة الى حد يدفعها الى الانتشار بين الخصوم والمتنافسين، وعامة الناس، تتناقلها الألسن في دول الجوار، في فنادق بعينها، ومن غرابتها وفجائعيتها، يشيب لها شعر الوليد..!
واذا كانت مهام الحكومة المنتظرة مكتظة بالأولويات المتزاحمة، وفي مقدمتها الحاق الهزيمة بداعش والاصناف العديدة من الارهابيين، فان اعتبار الفساد بكل تجلياته ايضاً الوجه الآخر لها، لا بد أن يحتل الصدارة في برنامجها وتوجهاتها ومفرداتها، وذلك يقتضي اولاً ان يتجنب السيد العبادي قبول اي مرشحٍ تفوح منه رائحة السحت الحرام، في تشكيلته الوزارية القادمة، بالاضافة الى انعدام الكفاءة والنزاهة، مهما مورست عليه من ضغوط "مكون المرشح"، أو قيل عن استحقاقاتٍ انتخابية للقائمة الانتخابية أو الكتلة البرلمانية، أو جرى التحاجج معه حول مراعاة التغاضي عن "صغائر" تعيق إنجاح التوافق والمصالحة!
وسيواجه خريج جامعة مانشستر، بحقيقة مرة، فحواها ان بين حيتان الفساد وغيلانه المتسترين بالتقوى الزائفة، من يتدثر بعباءة كتلته وخاتم ملته ومسبحتها..!
فهل هو على مواجهة هذا بقدير..؟
اللهم أعِنهُ على ذلك...!
جميع التعليقات 3
عبدالكريم
عزيزي الاستاذ فخري ان مسيرة السنوات الماضيه علمتنا شيئ مهم لايمكن التغاضي عنه الا وهو عدم الافراط في التفاؤل واعتقد ان زمن البطولات الاسطوريه الخارقه التي تتحدث عن شخصيات امثال روبن هود وطرزان وهرقل الجبار قد ذهبت مع اهلها وقد امتعتنا بجزء جميل من ايام ال
يوسف
ردا على ما كتبه الاخ الفاضل عبد الكريم، فاني لم المس تفاؤلا اعتيادية حتى تجد انت ياخي تفاؤلا مفرط. نعم ليس العبادي هرقل الروم، ولكن هو رجل عليه - على اضعف تقدير ان يبدأ بمشروع محاربة الفساد. لان الفساد الاداري هو ابن الافساد الذي زرعه الزاعون- وحش اقوى م
محمد سلمان
مع الفقراء في العالم الاستاذ العزيز نحن نرى بأنكم تمتلكون قنابل السلام لكل العراقين منذ تأسيس دولته وحتى هذه اللحظة وربما لمستقبله .. نحن فقراء الشعب العراقي أدركنا وبدون قسم أننا فقراء بسبب سرقة أموالنا من