TOP

جريدة المدى > عام > أضواء على العولمة في الأدب : البروفسورة شميم بلاك:

أضواء على العولمة في الأدب : البروفسورة شميم بلاك:

نشر في: 19 أغسطس, 2014: 09:01 م

يتم  تسويق ثقافة  البوب  بسهولة عبر الأسواق المفتوحة و لا أظنّ أن  (بريتني سبيرز) تواجه صعوبة في تسويق نتاجها  في  أنحاء العالم  بينما يختلف الأمر  مع الرواية...   (القسم الثاني)   * عندما ترد

يتم  تسويق ثقافة  البوب  بسهولة عبر الأسواق المفتوحة و لا أظنّ أن  (بريتني سبيرز) تواجه صعوبة في تسويق نتاجها  في  أنحاء العالم  بينما يختلف الأمر  مع الرواية...
 
(القسم الثاني)

 
* عندما ترد مفردة " العولمة " في الأدبيات الثقافية فغالباً ما يكون المقصود هو " التغريب westernization " . هل يمتدّ المدلول التغريبي للعولمة ليطال ميدان الأدب ايضاً ؟
- هذا السؤال غاية في الصعوبة بحق ، فمن جانب يمكننا أن نرى أن صعود الرواية المعولمة قد نشأ مع الشعور الطاغي بأنّ الرواية الغربية فقدت زخمها الضارب و ضاقت أمامها خيارات إنتقاء الموضوعات المناسبة للتناول الروائي ، و قد تنامى هذا الشعور عندما بدأ الناس في كافة أنحاء العالم بمساءلة الموضوعات التي ظهرت حديثا - غير تلك التي اعتادوا عليها - و تأتي في طليعة تلك الموضوعات التي ظهرت حديثا: الهجرة ، التنقّل و الحراك الثقافي ، الإحتكاك الحضاري الناجم عن معايشة أناس لم تتوفر أمامنا الفرصة لمعايشتهم من قبل ، و بدا أنّ الرواية قد استعادت رؤيتها الملحميّة و زخمها الثقافي بعدما خبا . إنّ أحد الأسباب التي دفعت لنشوء هذا الشكل من الأدب المعولم - الذي يجوز وصفه " أدب ما بعد الكولونيالية " – يعود إلى حسّ المسؤولية : فكثير من التجارب الروائية التجريبية الاستكشافية التي خبرناها على مستويات الأسلوب و الشكل و الثيمة الروائية قد إنبثقت من الجغرافيا مابعد الكولونيالية . خذ مثلاً رواية " أطفال منتصف الليل Midnight”s Children " التي تعدّ واحدة من أكثر الروايات تأثيراً في حقبة الثلاثين سنة المنصرمة إذ لم يختبر أحدنا نمطاً من الكتابة من قبل يرقى إلى مستوى ما نراه في هذه الرواية التي هي بحق رواية هجينيّة ( Hybrid Novel ) فريدة التركيب : فقد إحتوت عناصر من التقاليد الإنكليزية و الهندية على المستويين اللغوي و الثيمي على الرغم أنّ من السهل اليوم أن نتناسى كم كانت هذه الرواية للكاتب ( سلمان رشدي ) تعدّ ثورية في وقت نشرها ، و بنظرة أكثر إتساعاً يمكننا رؤية كيف استعان الكتّاب الأمريكان بهذه الرواية و أمثالها من الروايات العالمية في رؤيتها و كمثال على هذا فإنّ الواقعية السحرية التي نشأت كبصمة روائية مميّزة في الثقافتين الأمريكية اللاتينية و الأسيوية أضحت اليوم نمطاً روائياً معتمداً من قبل الكثير من الكتّاب الغربيين ، و يمكننا الإشارة أيضاً إلى نمط أخر يسمّيه بعض الأكاديميين ب " الإنكليزية العجائبية Weird English " التي يجترحها كتّاب باللغة الإنكليزية و ينشئون منها أنماطاً غير متداولة في اللغة الإنكليزية الأم و ربّما أعتبرت هذه الأنماط شكلاً من أشكال الأخطاء غير المرغوب فيها في أول ظهورها ثم بتنا نراها اليوم مصدراً لقوّة جمالية هائلة .
* يبدو " سلمان رشدي " لي المثال الكامل لما يمكن أن يكون عليه الكاتب المعولم : فقد نشأ في الهند ثم دخل المدارس البريطانية و واصل دراسته هناك و استمرّ بالعيش في البيئة الغربية ، و يرى الكثيرون أنّ نتاجاته تحتوي على الكثير من العناصر التي يتّسم بها الأدب المعولم و هنا يرد التساؤل : كيف ينظر إلى رشدي في بيئته الهندية التي نشأ فيها ؟
- يعدّ رشدي كاتباً مثيراً للإهتمام لأسباب عدّة و مع أنّه قوبل بالكثير من أيات الودّ و الإحترام في الغرب مع بواكير عصر العولمة الحديثة غير انّه كان يعدّ كاتباً مثيراً للإشكاليّات المتضادة في بلده الأم : الهند ، و على الرغم من أنّ رشدي صار واحداً من الشخصيّات الروائية المحتفى بها كثيراً في الغرب - جنباً إلى جنب مع كتّاب هنود أخرين – غير أنّه ما يزال يواجه بعنف شديد في الهند و لايعدّ هناك كاتباً بمواصفات هندية تامة و قد وصل الأمر حدّ منع تضمين أيِّ من نتاجاته في المناهج الدراسية الجامعية الهندية . أنظر أيضاً إلى ( أورهان باموك )و سترى أمراً مماثلاً و ربّما يختلف في شدّته و حسب عن أمر رشدي و لكنّه حقيقة ماثلة بقوة على الأرض و لا يمكن نكرانها ، و على الرغم من أنّ باموك قد كتب عدداّ من الروايات الرائعة التي يحتفي فيها بمدينة ( أسطنبول ) لكنّه عدّ مناصراً للقيم الغربية لسبب وحيد و واضح يكمن في توجيهه نقداّ صريحاً و حاسماً و غير مغلّف للأصولية الإسلامية التركية وقد صار هو الآخر مع رشدي يعدّ خارجاً على التقاليد التركية السائدة في حلقات كثيرة من المجتمع التركي بعد أن حقّق نجاحات طاغية في العالم الغربي . إنّ هذين المثالين - رشدي و باموك - سيظلّان دوماً قادرين على جعلنا نتساءل عن مدى إمكانية الرواية بالنأي عن مساءلة إشكاليات الهوية القومية و ما يرتبط بها من قضايا قادرة على خلق نزاعات و إنشقاقات مجتمعية خطيرة .
كتب أحد طلّابي في الجامعة مقالة مثيرة يلقي فيها نظرة على رواياتِ لكتّاب هنود من الذين حصلوا على جائزة أدبية معتبرة تمنحها إحدى كبريات دور نشر و تسويق الكتب في مدينة ( مومباي ) خلال السنوات القليلة الماضية و من الغريب أنني لم أسمع بمعظم أسماء الكتّاب التي وردت في المقالة مع أنّني قارئة مواظبة للأدب الهندي ، فماذا يعني هذا ؟ أرى ببساطة أنّه يعني أنّ الأدب المعولم لا يشمل جميع الكتّاب و أنّ كلّ بلد لا يزال إلى اليوم يدعم حسّاً متنامياً بأدبه المحلي الذي يميّزه عن الأدب الآخر على الرغم من إدّعاءات التواصل مع الثقافات العالمية .
* كيف يمكن لعملية بيع و تسويق الرواية أن تؤثر على عولمة الأدب؟
- عندما نالت الهند مع بلدان أخرى إستقلالها عن الهيمنة الكولونيالية شهدنا نموّاً في الإرتقاء بطباعة و تسويق النتاج المحلي و هو الأمر الذي شجّع و دعم نمو الأسواق الأدبية ، غير ان هذه الأسواق ذاتها تشهد اليوم إنحساراً و تراجعاً ملحوظاً في أعمالها ، و لنأخذ مثالاً : إنً مطبوعات دار نشر " Heinemann African Writers " قد إختفت اليوم بعد أن كانت السبيل الأوحد و الأكثر قوة لتعريف البلدان الناطقة بالإنكليزية بالكتّاب الأفارقة الواعدين . كنت قبل بضع سنوات في زيارة إلى الهند و أتيحت لي فرصة الذهاب إلى معظم متاجر بيع الكتب في المدن الهندية الرئيسية لانّني كنت شديدة الرغبة في معرفة أسماء دور النشر الكبرى في الهند ، فوجدت انّ هذه الدور تنحصر في الأسماء الكبرى الثلاثة : Oxford India , Harper Collins India , Penguin India التي هي فروع من دور النشر الرئيسية في البلدان الغربية ، و وجدت أن دور النشر الفرعية هذه تتبنّى سياسة تحريرية مستقلّة و من هنا نشهد الإختلافات الواضحة في طبيعة الكتب التي تنشرها دور النشر الامّ عن تلك التي تنشرها فروعها المحلّية في البلدان الأخرى ، و سواء أكانت هذه السياسة مصمّمة بصورة مقصودة أم لا فهي تؤشّر لنا بكل الوضوح طبيعة الدور الذي ينهض به الأدب المعولم اليوم .
* إذا كانت الرواية كشكل أدبي وثيقة الإرتباط بفكرة " الأمة " فكيف لنا بعد هذا أن نتوقّع من الرواية أن تكون معولمة؟
- باتت الكثير من البلدان تشعر بعبء الإستمرار في تبني سياسات " الهوية القومية " من خلال الفنون و الأدب و بخاصة عندما تكون هذه البلدان في سعي محموم لجلب الإستثمارات الأجنبية لبلدانها و غالباً ما نرى هذا البلدان غارقة في خضمّ مفارقة ترقى لمستوى إشكالية عصية على الحل : فهي من جهة تنشد الغنى المادي جرّاء علاقاتها مع البلدان الأجنبية ، و من جهة أخرى تريد ان يستمر تصنيفها بلداناً تمتاز بتجانس حضاري و فرديّ كما اعتادت ان تكون سابقا !!! . إنّ تسويق ثقافة كثقافة البوب غالباّ ما يتمّ بيسر عبر الأسواق المفتوحة و لا أظنّ أن ( بريتني سبيرز ) مثلاً ستلقى صعوبة في تسويق نتاجها في أيّ مكان في العالم و لكن الأمر يختلف مع الرواية فنحن نعلم جيداً أن نشوء الرواية الحديثة قد تزامن مع أوقات عصيبة عندما بدأت أفكار من قبيل " الوعي القومي " و " الهوية الوطنية " بالتشكّل مع صعود نجم الدول القومية في القارة الأوربية . على الصعيد الشخصي أميل إلى الفكرة التي ترى أنّ جذور الرواية المعولمة لها بدايات أبكر بكثير ممّا يتوقّعّه الكثيرون : إلى تلك الحقب الكلاسيكية القديمة حيث كان الكتّاب القدماء مشغولين بفكرة خلق هوية إنسانيّة متفرّدة و حيث كان التركيز الأعظم على تمايز السلوك البشري و إختلافه بين الثقافات المعروفة و أعتقد أن الروايات التي يحقّ لنا اعتبارها معولمة ،كان لها من المشتركات فيما بينها أكثر بكثير من العناصر التي تشاركتها الروايات القومية في القرن الثامن عشر و التي لا زلنا نرى فيها الإنجاز الروائي الأعظم عبر العصور.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram