من جديد، مع انطلاق عملية التمهيد لتشكيل حكومة جديدة، نتشمّم الرائحة نفسها.. الرائحة الكريهة التي تزكم الأنوف وتسمم الأبدان وتثقل على الأرواح .. رائحة التكالب المسعور على المناصب الحكومية.
لم نلحظ حتى الآن حركة نشيطة للدفع باتجاه وضع برنامج للحكومة الجديدة يؤمّن مستلزمات الخروج بالبلاد من الدهليز المظلم الذي أوقعتنا فيه الحكومة المنتهية أعمالها (الاحتلال الداعشي والانقسام السياسي الحاد وانهيار الأمن ونظام الخدمات العامة وتردي مستوى المعيشة).. وهو دهليز ساهم في جرّنا اليه أيضاً البرلمان السابق الذي يمكن القول، من دون أدنى تردد، انه كان أسوأ برلمان في تاريخ البلاد، فأمام أنظار أعضائه انهارت القيم الوطنية في العمل السياسي، وجرى الدوس على الدستور بمبادئه وأحكامه، والتعدي على الاختصاصات والصلاحيات المختلفة لمؤسسات الدولة، ودائماً من جانب السلطة التنفيذية خصوصاً وبمباركة السلطة القضائية. في المقابل فاننا نتفرج على عملية تدافع محموم في سبيل كسب أفضل المواقع في القصر الحكومي، فهذا يريد باسم الأكثرية أغلبية الوزارات، وذاك طامع في وزارات بعينها، وثالث يسعى لتأصيل وتأبيد نظام المحاصصة الطائفية والقومية الذي ما فتئ يشتكي منه ويشتمه.
ما يتوجب ان يعرفه رئيس الوزراء المكلف والقوى الرئيسة المتبارية في ملعب تشكيل الحكومة، ان الشعب العراقي ليس لديه يوم واحد فائض عن الحاجة ليضحَي به من أجل أن تواصل الطبقة السياسية المتحكمة بقضية تشكيل الحكومة صراعاتها ومماحكاتها ومنافساتها على المناصب والمكاسب .. وما يتعين أن يعرفوه أيضاً ان الشعب العراقي انتظرهم الآن أكثر من عشر سنوات ليجعلوه في حال أفضل من الحال التي كان عليها في عهد صدام، وقد فشلوا فشلاً ذريعاً في هذا.
وما يتوجب ويتعين أيضاً أن يعرفه المتصارعون على كراسي الحكومة الجديدة، ومعهم المتزلفون والمتملقون وماسحو الأكتاف ولاعقو الأكفّ، مستجدو المقاعد الوزارية الثانوية، اننا لن نمهلهم كثيراً هذه المرة، فلابدّ أن ينتهوا من تشكيل حكومتهم في الموعد المحدد دستورياً أو قبله، ولابدّ أن تبدأ الحكومة منذ يومها الأول بالعمل المثابر والمتواصل على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم وسبعة أيام في الاسبوع من أجل إزالة ركام الماضي.
عندما أدرك الشعب في ربيع 2011 ان الحكومة السابقة لم تكن على مستوى التوقعات انطلق في حركة احتجاجات سلمية، جوبهت بوحشية سافرة من جانب قوات الحكومة واجهزتها الأمنية التي صار واضحاً للعيان الآن انها لا تستأسد الا على الناس العُزّل، فقد سابقت هذه القوات والأجهزة الارانب في فرارها من ساحات المواجهة مع داعش من دون أي قتال! .. هذه المرة يمكن ان تتحول تلك الحركة السلمية المقموعة الى حركة عصيان مدني واسعة النطاق وهادرة، فلم يعد لدى الناس ما يخسرونه في حركة من هذا النوع، بعدما خسروا مساكنهم ومحال عملهم وأرواحهم في نينوى وصلاح الدين والأنبار وديالى وكركوك.. امتداداً الى بغداد والبصرة.
أوقفوا انطلاق روائحكم الكريهة قبل فوات الأوان.
اخمدوا هذه الرائحة رجاء
[post-views]
نشر في: 19 أغسطس, 2014: 09:01 م