TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سلمتْ يده!

سلمتْ يده!

نشر في: 21 أكتوبر, 2012: 05:00 م

أفهم أن العساكر لا رأي لهم سوى ما يراه لهم قائدهم الأعلى، فالجندي ليس له من الأمر شيء، وليس بمقدوره الاعتراض أو عصيان الأوامر، هكذا يربى وينشّأ، بحيث تقاس كفاءته بطاعته أي بانعدام رأيه، وكلما كان بلا رأي كان إلى الكمال أقرب.

ذات الأمر يمكن أن يقال على المكلّف دينياً بإزاء مرجعيته، فكل من يريد أن ينتظم في سلك المؤمنين بمذهب ما وجب عليه أن يتلف رأيه الخاص، يلغيه، وكثيرة هي الأحاديث الذامة للقائلين برأيهم في شأن دينيّ.

الأحزاب والأنظمة السياسية الشمولية استفادت كثيراً من هذين المعطيين العسكري ـ الدينيّ، فلم تسمح لأعضائها بإبداء آرائهم إلا بعد أن لا يكون للرأي معنى ولا داع، "نفذ ثم ناقش"، أي أنك مسموح لك بالنقاش حين يكون كلامك مجرد هراء.

هذا كله بديهيّ، لكن الأنظمة الديمقراطية بمؤسساتها المختلفة تشكل الضدّ التامّ للنهج "العسكرديني" هذا، الجميع في ظل نظام ديمقراطي مدعوون لإبداء آرائهم علانية، ومن هنا قوة السلطات التشريعية والرقابية والإعلامية في نظام كهذا.

البرلمان أقوى هذه السلطات بسبب أساسه الشرعيّ القويّ، أعضاؤه منتخبون وحصانتهم مضمونة، وقد هيئتْ كل الظروف لهم لأن يكونوا لسانَ الجماهير التي انتخبتهم.

غير أننا لا نرى ألسنةً في برلماننا غير لسان مشتقّ من سلطة هي أكبر من النائب نفسه ومن الجماهير، لسان عقيدته طبعاً هو الأعلى، ثم لسان رئيس كتلته، وهناك لسان صغير يتكلم باسم "أنا" النائب، وهي "أنا" من الصغر بحيث يمكن أن يخفيها وراء مصلحة عامة أو مصلحة مذهب، لكنها على صغرها تستطيع أن تلتهم مليارات الدولارات من مال الناخبين في سنوات.

بين يديّ الآن مواقف نواب من دولة القانون، ينشطون هذه الأيام جميعهم في بيان فكرة واحدة مؤداها أن التسليح الآن أهم من الخدمات، هكذا صراحة دون وجل أو خوف لا لفّ أو دوران، تصريح النائب محمد الصيهود مثلاً "أن عقود التسليح اليوم أهم من مسألة الخدمات"، فهل هذه آراؤهم حقاً، أم أن القائد  العسكردينيّ أمر بذلك؟

لا أذكر حديثاً لبرلمانيّ من جماعتنا يمكن أن يستشفّ منه رأيه الخاصّ، لا أحد، سواء أكان موالياً للحكومة أم معارضاً، وكلّهم تبع للأخ الأكبر، وأكبر همومهم يتمثل في تكييف ومواءمة ما تريده أناهم الضئيلة ـ الكبيرة ، مع رأي قائدهم المفدى.

يصل حبّ المال لدى هؤلاء حدّ الهيام، يتولّه بقائده الذي هو المحسن إليه تولّه العارف بربه، لا يرى إلا ما يراه فرعون القائل لقومه "لا أريكم إلا ما أرى"، عشق لم نره إلا في كتاب من مثل "مصارع العشاق" عن أولئك الذين جننهم العشقُ وتركهم مسحوقين بلا رأي ولا فكر تحت سطوة معشوقهم.

وحتى حين يوردهم حبيبهم موارد التلف، حتى حين يدركون أن حبيبهم يخطئ كلّ آن، وأنه فاشل وأنانيّ وأبله ولا يريد لهم الخير، يكون الأوان قد فات، فكل ما يأتي الحبيب حبيب.

ألم يقل أحمد شوقي في القصيدة التي لحنها وغناها عبد الوهاب:

مولاي وروحي في يده ـ قد ضيّعها سلمتْ يده!

سيدي القائد العامّ رئيس الوزراء .. سلمتْ يداك!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram