يقول طبيب الأعصاب البروفيسور أيان روبرتسون ان تنفيذ قطع الرؤوس و غيرها من الأفعال المتطرفة لا يمكن ان يفكر به أغلب البشر، لكن هناك مجموعة من العوامل يمكن ان تجعل أي إنسان متطرفا . بينما يقوم مسلحو الدولة الإسلامية في العراق و سوريا بذبح الآلاف من "
يقول طبيب الأعصاب البروفيسور أيان روبرتسون ان تنفيذ قطع الرؤوس و غيرها من الأفعال المتطرفة لا يمكن ان يفكر به أغلب البشر، لكن هناك مجموعة من العوامل يمكن ان تجعل أي إنسان متطرفا . بينما يقوم مسلحو الدولة الإسلامية في العراق و سوريا بذبح الآلاف من " الكفار " و خطف نسائهم و أطفالهم و استخدامهم كعبيد، فان الكثيرين في الغرب يميلون الى اعتبار تلك ظاهرة فريدة في الأصولية الإسلامية. بعد اجتياح مدينة سربنيتشا في البوسنة يوم 11 تموز 1995 ، قامت قوات صرب البوسنة – المسيحيون ظاهريا – بذبح 8 آلاف مسلم بدم بارد، كما هناك الإبادة الجماعية للهوتو في توتسي – رواندا ، و القتل الجماعي لسكان مدينة كمبودية على يد الخمير الحمر ، و الإبادة الجماعية لليهود و الغجر و المعوقين على أيدي النازيين .... قائمة الأعمال الوحشية طويلة و مثيرة للحزن .
اذن ما هي أصول هذه الوحشية اذا لم يكن بالإمكان نسبها الى ديانة أو أيديولوجية معينة ؟
1- الوحشية تولّد الوحشية
قد يكون القسم الأول من الجواب بسيطا .؛ فالوحشية تولّد الوحشية. القسوة و العدوانية و عدم التعاطف هي ردود فعل شائعة من أناس عانوا من سوء المعاملة. ففي معسكرات الاعتقال النازية مثلا، كان الكثير من الحراس القساة سجناء سابقين – كان يطلق عليهم (الكابوس) سيئي السمعة. كما ان الأطفال الذين يتعرضون للاعتداء الجنسي- بالأخص الذكور - من المحتمل جدا ان يصبحوا هم أنفسهم معتدين جنسيا عند الكبر رغم ان الأغلبية لا تفعل ذلك . بمعنى آخر ، فان الضحايا غالبا ما يكون رد فعلهم على الصدمة هو ان يصبحوا جناةً .
2- الانخراط في المجموعة
لكن تحوّل الضحايا الى جناة هو ليس التفسير الوحيد للوحشية . عندما تنهار الدولة و معها القانون و النظام و المجتمع المدني، فلا يبقى الا ملجأ واحد للبقاء هو المجموعة . سواء أكان البقاء يحدده الدين أو العنصر أو السياسة أو العشيرة أو حتى الهيمنة الوحشية لزعيم العصابة – فانه يعتمد على الأمن المتبادل الذي توفره المجموعة . الحرب تجمع الناس في مجموعات، هذا الجمع يهدئ بعض المخاوف و الكآبة التي يشعر بها الفرد عند انهيار الدولة، كما انه يوفر احترام الذات لأولئك الذين يشعرون بالإهانة بسبب فقدان موقعهم أو وضعهم في مجتمع منظم نسبيا . الى الحد الذي يحصل فيه هذا ، عندها تندمج هويات الفرد و المجموعة جزئيا و تصبح أفعال الشخص مظهرا للمجموعة بقدر ما هي إرادة فردية . عند حصول ذلك ، فالناس تفعل أمورا رهيبة لم يكونوا يتصوروا انهم سيفعلونها. ضمير الفرد يحتل مكانا صغيرا في المجموعة المتحاربة المحاصرة ، لأن الفرد و المجموعة يصبحان شيئا واحدا عند استمرار التهديد الخارجي. المجموعات هي القادرة على الوحشية و ليس الفرد لوحده . يمكن ان نرى ذلك في وجوه الشباب من مسلحي الدولة الإسلامية عندما يتسابقون الى شاحناتهم ، حيث يلوّحون بالرايات السوداء و ترتسم ابتسامة عريضة على وجوههم و قبضاتهم مشدودة و هي لاتزال ملطخة بدم " الكفار" الذين لا يعتنقون الإسلام . ما نراه هو أعلى مستوى للكيمياء الحياتية ناجم عن خليط من هرمون أوكسيتوسين و هرمون الهيمنة تيستوستيرون، و هو أكثر مفعولا من الكوكايين أو الكحول، فهذه العقاقير تصعّد المزاج و تحث على التفاؤل و تنشّط العمل العدواني من جانب المجموعة . و لأن هوية الفرد منغمسة الى حد كبير في هوية المجموعة ، فستزيد رغبة الفرد للتضحية بنفسه في المعركة – أو بالتفجير الانتحاري فيما يخص موضوعنا . لماذا ؟ لأني اذا ما انغمست في المجموعة فسأبقى حيا في المجموعة حتى لو غمرني الموت . عندما يرتبط الناس ببعض ، ترتفع نسبة الأوكسيتوسين في دمائهم ، لكن نتيجة ذلك تكون ميل أكبر لتشويه صورة الخارج عن المجموعة و الحط من إنسانيته ، و هذا يناقض نكران الذات عندما تكون داخل المجموعة- حيث تجعل من السهل عليك تخدير تعاطفك مع الخارج عن المجموعة و تنظر اليه على أنه مجرد شيء و ليس إنسانا ، فتعتبر ان القيام بأمور إرهابية تجاه الأشياء هو أمر حسن لأنهم ليسوا بشرا .
3- الخارجون عن المجموعة هم أشياء و ليسوا بشرا هنا توجد حقيقة مروعة و نحن نتأمل المذابح بين السُنة و الشيعة في العراق و سوريا . تتعزز القبلية في داخل المجموعة - و بالمقابل يزيد البغض تجاه الخارجين عن المجموعة – حيث ان الدين يعرّف المجموعات. حتى لو كان الاعتداء ضد مجموعة أخرى مدمرا للذات – كما نرى في الشرق الأوسط – فان المجموعات المبنية على الدين تؤيد درجة من الاعتداء ضد خصومها، و هذا غير موجود في المجموعات غير الدينية .
4- الانتقام
قد يلعب الانتقام – الذي يعتبر قيمة عليا في الثقافة العربية – دورا في إدامة الوحشية . من الطبيعي ان الانتقام الوحشي يولّد المزيد من الوحشية في دوامة لا تنتهي أبداً . لكن بينما يكون الانتقام دافعا قويا ، لكنه مخادع في نفس الوقت، و الدليل على ذلك هو ان الانتقام من شخص ما – بغض النظر عن تهدئته للغضب و الحزن الذي دفع اليه - يديم و يضخم ذاك الحزن و الغضب في الواقع .
5- القادة
أخيرا ، فالناس تفعل أشياء وحشية اذا ما قال لهم قادتهم ان ذلك فعل مقبول ، لا سيما اذا ما نذروا أنفسهم للمجموعة نفسها. لقد تأججت الإبادة الجماعية في رواندا عن طريق سلسلة من البرامج الإذاعية قدّمتها مجموعة صغيرة من القادة للسكان الذين تحولوا الى قتلة متوحشين يقتلون - من خلال تلك التوجيهات - أصدقاءهم القدامى و جيرانهم الذين هم خارج المجموعة . في 1945 ، ارتكب جنود الجيش السوفييتي أعمال اغتصاب جماعية بعد اجتياحهم المانيا لأن كبار القادة كانوا يؤيدون ذلك . مقاتلو الدولة الإسلامية يذبحون المسيحيين و الإيزيديين العزّل لأن قادتهم يخبروهم بأن هذا هو الشيء الذي ينبغي فعله .
القادة في مختلف المستويات من العشيرة الى الدولة، مسؤولون عن هذه الوحشية، و بالتالي يمكن لهؤلاء القادة إيقاف ذلك – كما حصل في رواندا بعد الضغوط الدولية . لكن المشكلة ، كما رأينا ، هي عندما يختار القادة تشجيع الوحشية و ليس تهدئتها ، لا يوجد شيء صلب داخل النفس البشرية يتصدى للوحشية .