بين النفي والتأكيد تراوحت المعلومات بشأن عزم رئيس الحكومة المكلف على تشكيل حكومة رشيقة للتوفير في النفقات، فبعض الخبراء الاقتصاديون والماليون قدّر ما يمكن أن توفّره حكومة من هذا النوع نفقات بيروقراطية بما يتراوح بين 10 و15 ترليون دينار (8 – 12 مليار دولار).
لكن هل مشكلتنا في شحّ الأموال لنحلّها بترشيق الحكومة؟
البلدان الفقيرة، والبلدان غير الفقيرة التي تواجه أزمات اقتصادية ومالية مفاجئة، تلجأ عادة، لمواجهة هذه الأزمات ولتجاوزها، الى إجراءات لضغط النفقات الحكومية، بينها ترشيق الحكومة نفسها بتقليص عدد الوزارات والإدارات ودمج بعضها بالبعض الآخر.
إن بلداً بخمسة وثلاثين مليون نسمة فقط، وبعائدات نفطية تصل الى مئة مليار دولار سنوياً، فضلاً عن عدد الأنهر والأهوار والمساحات الزراعية وكميات الغاز والفوسفات وحتى القار والرمل والحصى والحجر المتوفرة للعراق، ليس بالبلد الفقير.. بل انه بلد فاحش الثراء مثله مثل السعودية والإمارات والكويت.. بلد كهذا مشكلته الحقيقية تكمن في غياب الإدارة العاقلة والحاذقة والوطنية له ولثرواته.. نعم هذه هي مشكلتنا الآن وفي العهود السابقة. من سوء حظ الشعب العراقي انه لم تتوفر له على مدى نصف القرن الماضي قيادة تجمع بين العقل والحذاقة والوطنية، أو أياً من هذه الخصال في الأقل.
لم يحل شحّ الموارد في العهد الملكي وفي العهد القصير لجمهورية عبد الكريم قاسم من وضع وتنفيذ برامج للتنمية ظلت شواهدها قائمة حتى اليوم.
نظام البعث على سوئه حقق خلال سنواته العشر الأولى بعض الإنجازات التي التهمتها حروبه العبثية. البعثيون اهتموا كثيراً خلال تلك الفترة بوضع الأسس المتينة لدولتهم، وقد نجحوا الى حد كبير قبل أن يستحوذ صدام حسين على مقادير السلطة كلها ليحوّل النظام الى نظام دكتاتوري فردي سعى لفرض نفسه بالقوة في الداخل ولاحقاً على الخارج.
ما فعله البعثيون في سنواتهم الأولى خالفه تماماً الإسلاميون الذين حكمونا في السنوات العشر الماضية ..هؤلاء لم يعطوا أية إشارة على اهتمامهم بوضع حتى حجر الأساس لدولتهم .. انصرفوا الى نهب المال العام، والخاص أيضاً، فأصبح الفساد المالي والإداري سيد الموقف في عهدهم . والآن فإننا لا نجد أي شاهد على أن حكومتين متعاقبتين تولاهما حزب الدعوة الإسلامية ودامتا ثماني سنوات قد تركتا أثراً لأكثر من 500 مليار دولار انصبّت في خزائنهما من عائدات النفط وحده.. نتلفت حولنا فلا نلحظ سداً واحداً ولا طريقاً دولية واحدة ولا مصنعاً واحداً ولا مشروعاً زراعياً واحداً ولا خطاً جديداً واحداً للسكك الحديد ولا مشروعاً واحداً للنقل تحت الأرض أو في الأنهر .. بل لم تفلح الحكومتان إياهما حتى في بناء مكتبة عامة أو دار مسرح أو سينما ولا حتى في تنظيف شارع من شوارع العاصمة التي هي الآن مزبلة كبرى.. كل ما حققته الحكومتان هو الخراب والمزيد من الخراب، فضلاً عن انعدام الأمن وتفاقم خطر الإرهاب الذي وصل الى حد احتلال ثلث مساحة البلاد!
ليست مشكلتنا مع النظام الجديد في شحّ الأموال، وإنما في سوء إدارة الأموال الطائلة المتوفرة، فحكومات العهد الجديد لم تحرص على إناطة الوزارات وإدارات الدولة بالكفاءات الوطنية النزيهة القادرة على إدارة الأموال إدارة عقلانية .. الغالبية الساحقة من الوزراء والوكلاء والمدراء عُينوا على وفق معايير الانتماء الطائفي والقومي والحزبي والعشائري، اغلبهم بشهادات مزورة، فأجهزوا على الدولة وأموالها كما الوحوش الضارية الجائعة.
والحل؟ .. انه في نهج جديد في إدارة الدولة العراقية وأموالها... هل تفعلها حكومة العبادي؟
هل تفعلها حكومة العبادي؟
[post-views]
نشر في: 20 أغسطس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو اثير
أستاذي الفاضل ... حكومة مقبلة رابعة تخرج من رحم حزب الدعوة لا أتصورها حكومة المرحلة الحالية فلا حكومة الجعفري ولا الحكومتين لنوري المالكي أستطاعت في ظروف قد تكون أفضل مما عليه في الوقت الحاضر أن ساهمت وعملت وأنجزت ما يتطلع اليه العراقيون منذ أكثر من عشر س
محمد توفيق
إذا أراد العبادي أن يكون مختلفاً عن المالكي فيجب أن يدير ظهره لحزبه القديم ويتخلى عن فكر حزب الدعوة الإقصائي ،ويعتبر كل العراقيين مخلصين لبلدهم (وإن لم ينتموا). وإذا استمر العبادي دعوياً فلا فائدة ترجى .. خلاصه من حزب الدعوة تعني فكاك يديه وفكره من قيود