TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > من دفتر عزيز الحجية في عالم الرياضة: سمكة دجلة تنافس تماسيح البحر

من دفتر عزيز الحجية في عالم الرياضة: سمكة دجلة تنافس تماسيح البحر

نشر في: 6 ديسمبر, 2009: 05:06 م

تحت هذا العنوان وغيره من العناوين المثيرة التي نشرتها صحف بغداد بالحروف البارزة وعلى صفحاتها الاول عندما فاز البطل العراقي علاء الدين النواب في اول مشاركة لابطال السباحة في العراق في سباقات المسافات الطويلة في البحر الابيض المتوسط عندما لبى اتحاد السباحة العراقية دعوة نادي الجزيرة اللبناني للمشاركة في السباق العربي الثاني لسباحة المسافات الطويلة
 الذي اقيم في 20/مايس/1956 وكانت مسافة السباق (50 كيلومترا) بين صيدا وبيروت. شد الوفد العراقي رحاله الى بيروت بالسيارات للمشاركة في سباقات السباحة في المياه المالحة ولمثل هذه المسافة الطويلة.. وكانت لعمري مغامرة وتجربة شاقة.. شكل الوفد برئاستي، حيث كنت اشغل منصب نائب رئيس اتحاد السباحة وعضوية الاستاذ اسماعيل حمودي الغنام والسيد صادق الصفار سكرتير الاتحاد انذاك، ومعنا ثلاثة سباحين لم يجربوا السباحة في البحر وهم: علاء الدين النواب وعبدالكريم المشهداني والسباح العسكري ناجي شاكر. وصلنا بيروت ونحن لانعرف شيئا عن طبيعة سباقات البحر.. ففتح جميع المشاركين صدورهم بل قلوبهم لاستقبالنا وكلهم رغبة في ارشادنا وافادتنا بكل ما نبتغيه.. لاسيما رئيس الاتحاد الدولي لسباحة المسافات الطويلة المرحوم اللواء الطبيب محمد صبري والسباح العربي الاول الذي عبر المانش سنة 1928 المرحوم اسحاق حلمي، حيث اجابوا على اسئلتنا المكثفة حول جميع متطلبات السباق ادارية وفنية. نزلنا البحر في اليوم التالي من وصولنا بيروت بعد ان تزودنا بالمعلومات الاولية من اخواننا السباحين المصريين واللبنانيين والسوريين حول ضرورة استعمال النظارات وسدادات الاذن اثناء التمرين وفي السباق. نعم نزلنا البحر غير هيابين من امواجه المتلاطمة ومياهه المالحة.. نزلنا البحر وكلنا عزم ومضاء بتحقيق نتيجة مشرفة.. ولابد لنا من اخضاع البحر بامواجه المتلاطمة ومياهه الباردة الى ارادتنا.. كان التمرين في ذلك اليوم تمرينا تجريبيا، اعدناه في المساء ولمدة اطول فكان تمرينا جيدا ومشجعا، وهكذا استمرت تماريننا اليومية ولمدة اسبوع كامل قبل السباق مع السباحين المصريين وادارييهم الذين لم يبخلوا علينا بكل ما عندهم من معلومات في عالم سباقات البحار للمسافات الطويلة سمى كل سباح من سباحينا مرافقه الاداري الذي سيرافقه اثناء السباق، وقد اختارني السباح علاء الدين النواب لاكون مرافقه الاداري وكان الاستاذ اسماعيل حمودي مرافقا للسباح العسكري ناجي شاكر، والسيد صادق الصفار مرافقا للسباح عبدالكريم المشهداني. استعد كل اداري لتهيئة مستلزمات السباق ومن اهمها توفير كيلوين من الشحم الخاص بدهن جسم كل سباح في البحر (كمعدل) وذلك لحفظ حرارة جسمه والمحافظة على طراوة جلده ووقايته من تأثير الاملاح. اما الطعام الخاص الذي وفرناه للسباحين فلم يتعد الفاكهة والشاي المحلى بسكر الكلوكوز للمحافظة على حرارة جسم السباح، والتين المجفف الذي يحتوي على مواد سكرية عالية تعيد له الحرارة المفقودة مع كمية من العسل المصفى من الشمع والبسكت وكمية من الماء العذب الذي يستعمل لانعاش السباح بسكبه على عينيه ووجهه بعد رفع النظارات، كما هيأ كل منا المستلزمات التي يحتاجها كل اداري وهو في زورقه بعيدا عن اليابسة. تحركت الوفود بسيارات خاصة الى صيدا حيث سيبدأ السباق من هناك في الصباح الباكر. وقد خصص لكل سباح ومرافق زورق خشبي (بلم) كالزوارق المستخدمة في نهر دجلة يرفع في مقدمته علم دولته وفي كل زورق يجلس المرافق الاداري وحكم لبناني يراقب السباح اثناء السباق ويتأكد من قطعه مسافة سباحة دون سحب او معاونة. اما المرافق الاداري فهو الذي يطعم السباح ويرشده الى الطريق الصحيح ويشجعه لمقاومة تيارات البحر. كان زورقنا يحمل الرقم (7).. وبعد اشارة الانطلاق توجهنا نحو بيروت.. كان الجو هادئا والبحر مظلما رهيبا بسكونه عدا ضربات مجذاف زورقنا البطيئة ونور (الفانوس) الخافت.. وعند بزوغ خيوط الفجر كنا قد قطعنا مسافة بعيدة عن صيدا وامامنا باخرة كبيرة تقل هيئة السباق تمخر عباب البحر ونحن في اثرها وعند انتصاف النهار.. لم نر في البحر احدا، وقد ابتعدنا عن الساحل كثيرا ولم نرَ غير السماء والماء.. حتى باخرة هيئة التحكيم اختفت عن الانظار وعلاء في اوج قوته يصارع الامواج بقوة وعزم وانا اشجعه والبي طلباته، الى ان اسدل الليل ستاره ثانية ولاحت انوار بيروت ساطعة وهاجة، وعند اقترابنا من المنارة (رأس بيروت) كما يسمونها سمعت اصوات سباحينا ومرافقيهما اللذين انسحبوا من السباق ومعهم بعض رجال السفارة العراقية يشجعوننا وهم على ساحل البحر.. وصل البطل علاء النواب الى النهاية وحده دون جميع السباحين الهواة الذين شاركوا في السباق. وصل علاء الى اليابسة بعد ان قطع مسافة السباق (50 كم) بـ (23 ساعة و 82 دقيقة) تناول خلال هذه المرحلة الطويلة الشاقة (ثمان تفاحات، وعلبة كلوكوز واحدة ولترين من الشاي الدافئ ونصف كيلو تين مجفف مع موزة واحدة).. ولم يشرب الماء، وقد فقد من وزنه ستة كيلوغرامات.. طار النبأ الى بغداد، فأذهلهم ذلك الاعجاز العراقي الذي تحدثت عنه الصحف وتناقلته اذاعات العالم. وقد اظهر ابناء الشعب عند عودة الوفد شعورا نبيلا حيث استقبلته وفود الرياضيين من الحبانية والفلوجة استقبالا حافلا يليق بما حققه الوفد من نصر لامع بف

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram