TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > التعبيرية العراقية (1)

التعبيرية العراقية (1)

نشر في: 22 أغسطس, 2014: 09:01 م

علاماتها الأولى لم يكن نشوء الحركات أو المكتشفات الفنية التشكيلية بعيدا عن مجمل متغيرات العوامل الاجتماعية أو السياسية المتحركة التي تعم محيطها الحاضن. مثلما هي علاقتها الايجابية بالمكتشفات العلمية المتأخرة التي بات من الممكن توظيفها في خطابها الإبد

علاماتها الأولى
لم يكن نشوء الحركات أو المكتشفات الفنية التشكيلية بعيدا عن مجمل متغيرات العوامل الاجتماعية أو السياسية المتحركة التي تعم محيطها الحاضن. مثلما هي علاقتها الايجابية بالمكتشفات العلمية المتأخرة التي بات من الممكن توظيفها في خطابها الإبداعي. إن كانت أوروبا هي المنشأ والحاضن الرئيسي لكل مستجدات الفن التشكيلي الحديث والمعاصر, سواء, في الفترة الحداثية, أو الحالية. وان كنا كفنانين تشكيليين عراقيين وعرب, لم نغفل عن الكثير من مفاصل الحراك التشكيلي العالمي, سواء عن طريق الاطلاع, أو المشاهدة. وأحيانا المساهمة قدر استطاعة بعضنا في المعارض الدورية أو بعض العروض العالمية.

 

فان السمة الواضحة في هذه العروض, هي في اشتغالاتها المتعددة بأكثر من منطقة أدائية, وبالتزامن وحيوية الحراك التشكيلي العالمي. لكن إن أقصينا عن المشهد التشكيلي هؤلاء المشتغلين ضمن فضاء الحاضنة الأوروبية الفنية المعاصرة, فان ثمة بروز ملفت لظاهرة جديرة بالإشارة إليها. وهي سيادة الأداء التعبيري التشخيصي( نسبة للمدرسة التعبيرية الأوروبية) لدى العديد من التشكيليين العراقيين وبعض من العرب, بل وبشكل عام, حتى فنانو الشرق الأوسط, ودول أوروبا الشرقية(حسب اطلاعي). في وقت انحسارها عن أهم العروض التشكيلية الأوروبية. حتى باتت تجارب غالبتهم تتناسل من بعض لبعض, في ظاهرة جديرة بالملاحظة والتقصي فبالوقت الذي تعم فيه فنتازيا الشيء واللاشيء في أوروبا. نجد عل الضد من ذلك, سيادة الخطاب العاطفي التعبيري بكل تلاوينه هو السائد هنا.
في نهاية الثمانينات كنت منشغلا في أعمالي بكيفبة الخروج من مأزق الواقع العراقي الثقيل بانكساراته. لقد وصل إيماني بالذات الإنسانية لحد الصفر. علما باني قبل ذلك كنت مولعا بتقصي الملامح الإنسانية, وخاصة الأنثوية منها, وإنباتها وسط حاضن بيئي خيالي, لكنه مزهر. ولم استثن الأسطورة المتخيلة من ذلك. لكن بعد خيمة صفوان ماذا بقى لنا. فتحولت الجنة عندي إلى كوابيس, لكن أعمالي, بالرغم من ذلك, لم تفقد ملمحها الفنتازي أيضا, ليس تورية لمروري من تحت خيمة رقابة السلطة. بل لنازع داخلي.كنت قد بنيت منجزي ذك كله من عناد الذات, مستعينات بإيحاءات من غرائبية ارث ماض. وكان بستاني مكتظا بكائناته الغريبة. الكائنات هي ايضا اداة المدرسة التعبيرية الحداثية(كما في منشأ التعبيرية الألمانية, مابين زمن الحربين الكونيتين). وان اشتركت بعض مفرداتي التشخيصية ومشخصات هذه المدرسة التعبيرية, ولو افتراضيا. الا أنني لم اكن فنانا تعبيريا كاملا. وبقيت مخلوقاتي ذات الجذر الخليقي من حيوانات وطيور ومسخ افتراضية سادرة لوحدها, وعامرة أعوامي التسعينية. ولم الحظ لها مثيلا وقتها, ولو بحدود التأثر, في أعمال التشكيليين العراقيين. وبمعنى ما بقيت أعمالي تعوم في فضائها الخاص لوحدها. لكن يبدو انها كانت تنتظر زمنا قادما لتؤدي مهمتها التواصلية وتجارب فنانين آخرين.
الفنان المعماري طارق مظلوم لم يبتعد في مجمل نتاجه الفني عن دراسته للآشوريات في إخراج أعمال تشخيصية في الستينات, وما قبلها, سواء أكانت رسوما أو منحوتات. لكنه لم يحاول ولوج منطقة التعبيرية الحداثية رغم احتواء المنجز الآشوري على مفردات تشخيصية تعبيرية متحركة فائقة, اعتقد ان افتتانه بواقعية خطوط الأثر التشخيصي الآشوري في حدود قابل أنمذجته, جعله يكتفي بمظهر هذا الأثر, دون البحث عن إخراجه بصيغ حديثة, كما فعلها العديد من رواد التشكيل الحديث العالميين المعروفين. فاستقصاء الأثر حداثيا, لا يتوقف على الانبهار بمظهره, بل من خلال البحث عن صيغ تفكيكية جديدة لهذا الأثر. والمنجز الحضاري هو دوما يغتني بإعادة هذه الصيغ, لا تكرارها. مع ذلك, فان أعماله استقت فعلها التعبيري, من فعل الأثر نفسه, لما يخزنه من فعل تعبيري. في العديد من نماذجه التراجيدية, بشكل خاص.
الفنان الأحدث كاظم حيدر عمل على استنطاق أثره الميثولوجي التراثي, ومنه الديني في ملحمته عن الشهيد التي اشتغل عليها منذ بداية مشواره الفني. كاظم حيدر هو ميال إلى ترجمة النص الأدبي تشكيليا, سواء شعرا ميثولوجيا, كما في ملحمته. أو مسرحيا, كما في نظرته لمسرحة شخوص العمل الفني, بتأثير من دراسته الأكاديمية للديكور المسرحي , التي تتوافق أيضا وتجربته الحية في تنفيذ العديد من ديكورات أشهر مسرحيات الستينات والسبعينات العراقية. هو إذا يميل للعمل النصبي المعاصر, والكثير من رسوم ملحمته تنحو الى ذلك. رغم توفر الموضوع التعبيري الذي يهيئ لها تربة خصبة لمجال الحسية العاطفية العالية, والتي هي من سمات المدرسة التعبيرية. أعماله اذا لم تفقد حسها التعبيري. ومن الممكن تصنيف عديدها ضمن خانتها. لكنها تعبيرية من طراز خاص. تحتفي بتشخيصاتها كأحياز مقننة ضمن فضاءات محسوبة, وليست منفلتة او مفتوحة مدارات عبثية . كاظم حيدر وهو يصارع الـ(لوكيميا) في أواخر أيامه, حوَّل رسوم شخوصه أوردة وشرايين. لقد كان التعبير عنده يمر عبر لحظات زمن يفر للمجهول, سالكا طرقا عبر تجاويف الجسد, وليس من خلال مظهره الخارجي. وهذه سابقة تحسب لمنجزه الذي لم يكن الا وفيا لسيرة التواريخ العامة والخاصة. مع محاولة لولوج المنطقة التعبيرية الفنية من زاوية غير مألوفة. و كان للحاضن الاجتماعي والبوح الشخصي نصيب في كل ما أنتج, ومنذ عمله عن واقعة كربلاء الأول, في خمسينات القرن الماضي. 
كانت رسوم الفنانة ليزا فتاح حدث مر ولم ينتبه له إلا زوجها الفنان إسماعيل فتاح الترك. هي القادمة من المنطقة التعبيرية الأصل, خطوط رسومها دوما على هاوية الحافة, كما هي ثقل وكثافة شخوصها, سواء أكانت بشرا أو حيوانا. في أواخر أيامها المبكرة, مهارة الرسم التعبيري لديها بمستوياتها العليا, تركت بصمات شاحبة على السطح الأبيض, لكنها تركت أخاديد عميقة على جسدها الذي حوله المرض الخبيث الى لوح مركون في زوايا المشفى. إسماعيل فتاح وحده من تعلم درسها, لكنه حوله لحقل تجارب مختلفة. لقد مرت الفنانة التعبيرية العراقية, الألمانية الأصل, الأمثل, دون أن تترك اثرا يذكر على تجارب الفنانين التشكيليين العراقيين, كما اعتقد. ولنا عودة لتقصي أسباب ذلك. رغم عمق تجربتها الفنية.
إسماعيل فتاح الترك, وكنحات حداثي, مولع بالأثر العراقي, كما غالبية النحاتين العراقيين المعروفين. بسبب من سطوة هذا الأثر بحفريات أزمنته ومراحله الدنيوية والزمنية المتعاقبة. لم تكن سومر بعيدة عن أعماله, كما لم تكن لأكد أو آشور بشكل من الأشكال هي الأخرى. . لكنه كان ابن عصر يحترم الجسد, خلقة وعاطفة مشبوبة, في رسومه المختلفة التقنيات, سواء الملونة أو الطباعية. هو ابن ثنائية الجنس التي لا يمل من محاورتها فنيا بعاطفة لا تود أن تغادر مصادر وهجها التعبيري التشخيصي وملونته الأكثر حسية. لقد تجاوز في أدائه التعبيري المتواصل أقرانه. لكنه ورغم كل ذلك لم يخرج من رداء النحات الذي كانه. وان استقى فنانو التعبيرية الألمانية مصادرهم التشكيلية من مسوخ الماضي القوطي. فان شخوص الترك كانت دوما تتمتع بهيبة نصبيتها, شخوص غير قابلة للكسر. وهذه الميزة بالذات, هي التي أقصتها بمسافة ما, عن هشاشة الشخوص التعبيرية الحداثية الأولى.
لا يمكن الحديث عن تأثير التعبيرية الأوربية على أعمال التشكيليين العراقيين دون المرور على منجز الفنان محمود صبري في مرحلته الواقعية الأولى, رغم إقصاء, أو حجب أعماله عن حاضنها العراقي, لأسباب سياسية. لكنه, مع ذلك كان حاضرا, ومما عزز هذا الحضور, حضوره شخصيا في عام(1973) الى بغداد, محاضرا في مشروعه الأشهر(واقعية الكم) رغم قصر إقامته في بغداد. لكن حضوره الخاطف لم يذهب سدى, بعد أن رمى حجرا في بركة التشكيل العراقي, التي لا يمكننا ان نقول عنها راكدة. عسر فهم ومواصلة مشروع واقعية الكم, أقصى هذا المشروع (التشكيلي ـ العلمي) عن منجز التشكيل العراقي العام. لكنه ضمن للفنان انتباهه أجيال احدث لتقصي ما ندر من رسوم مرحلته الواقعية التي لم تفقد سماتها المحلية التعبيرية, رغم تأثرها في فترة نضجها الفني بالخطوط العانية للأيقونة المسيحية الشرقية. مع افتراق مجمل أعماله عن الذاتية المفرطة للتعبيرية الأوربية الأولى. ولكونها أعمالا فنية(اجتماعية). لكنها لم تفقد حسها التعبيري لتتقصي هيئات وخطوط ملامح الطبقة المعدمة من الوسط المحلي. فان ابتعدت عن الأثر التعبيري الغابر, الذي بإمكانه ان يدرج أعماله ضمن التعبيرية الفنية الحداثية, فإنها عوضته بحاضر تعبيري آخر, بقدر ما هو محلي المصادر, هو عالمي الإيحاء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram