اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > حديقة التماثيل

حديقة التماثيل

نشر في: 22 أغسطس, 2014: 09:01 م

لاحت لي تماثيل الحديقة من بعيد ، وكأنها تشير لي بالدخول لمحاورتها وهي تقف تحت شمس سبتمبر الدافئة التي تنعكس على ملامحها لتحيلها الى كائنات حية طافحة بالحياة ، تماثيل في غاية الروعة والأهمية سواء من ناحية جمالها أو من ناحية الأسماء الكبيرة التي قامت بنحتها . انتظرت قليلاً قبل أن أدخل وكأني كنت أفكر بما قاله ديلاكروا ( تجلَّد إزاء انطباعك الأول ) ثم عدت بضع خطوات الى الخلف لأسحب أحد كراسي المقهى الصيفي المطل على الحديقة وأنا أراقب المشهد من بعيد ، ارتشفت قهوتي ببطء ثم سحبت خطواتي نحو التماثيل التي بدت تقترب شيئاً فشيئاً .
هكذا كانت بداية دخولي الى حديقة تماثيل متحف كرولر مولر الواسعة وسط هولندا ، وقد وزعت فيها عشرات التماثيل والأعمال الفنية التي تبدو وكأنها قد زرعت بجانب أشجار السرو المهيبة . سرت وأنا أحمل خارطة صغيرة للمكان حيث كانت البداية مع عمل النحات هنري مور الذي أعطاه عنوان ( رأس حيوان ) هذا العمل الذي نفذه مور بنوع من التعبيرية المؤثرة والمشحونة بنوع من الدراما . سرتُ بضع خطوات حتى بانت (المرأة المستلقية ) للنحات مايلول ، هذا الفنان الذي قام بعمل نسختين من هذا التمثال البرونزي ، واحدة منها في الحديقة الخارجية المطلة على متحف اللوفر ، والنسخة الثانية هي التي أمامي هنا ، عمل جميل في غاية الرومانسية وكأن هذه المرأة تحاكي غنج نساء رينوار ونعومة إيماءاتهن وقت الاستحمام . مشيت قليلاً لأصل الى عمل النحات التكعيبي ليبشتز الذي يقابله على الجانب الأخر عمل كبير للنحات كينيث أرميتاج ، وهكذا في كل ممر أو زاوية من الحديقة يظهر عمل لفنان مهم ومؤثر . مضيت الى العمق باتجاه الجانب الأيمن بحثاً عن البناء الذي صممه الفنان الفرنسي جان دوبوفيه الى أن وجدته مسترخياً وسط العشب تحيط به الأشجار العالية ويكسوه اللون الأبيض مع خطوط سود عريضة لونت بها الحافات والزوايا ، انتبهت الى سلّم صغير يؤدي الى السطح الذي بدا غير مستوٍ وقد جلس هناك جمع من الجمهور يشاهدون عرضاً مسرحياً طليعياً يقدمه شاب وشابة في مقتبل العمر يحيطان أجزاء من جسميهما بالبالونات ويقومان بإيماءات تشبه حركات الروبوت ، وهذا هو واحد من المشاريع التي تبناها المتحف كي يفسح الفرصة للمواهب الشابة وطلاب الأكاديميات . وأنا أهم بالنزول من بيت دوبوفيه لمحت من بعيد تجمُّعا آخر من الشباب قرب تمثال النحاتة باربارا هبوورث ، فساقني الفضول اليهم لأطلع على تجربتهم التي تعتمد على بعض الآلات المبرمجة والمربوطة مع كمبيوتر، يضع الطلبة كمية من الألوان في هذه الآلات ويمررونها على ورق مفروش على الأرض فتنتج أشكالاً وخطوطاً معينة ، وقد ذكرتني هذه العملية بالكتابة الميكانيكية التي ابتكرها الدادائيون . بعد كل ما رأيته هنا وهناك بقيت الفعالية الأخيرة التي يجب عليّ زيارتها ، أنها مشروع جديد ورائع قام به مجموعة من الشباب في الجهة اليسرى من الحديقة ، كان هذا المشروع بعنوان ( كم قطعة من الملابس نحتاج طوال حياتنا ؟ ) . نُفِّذ العمل فوق ساحة كبيرة ومرتفعة بعض الشيء وقد علقت آلاف من قطع الملابس على حبال امتدت بشكل حلزوني ، وبهذا شكلت الملابس ما يشبه جدران متاهة حلزونية ، وقد اختيرت كل قطع الملابس باللون الأحمر وتدرجاته مع القليل من درجات البنفسجي ، لم أشاهد في كل حياتي مثل هذا العدد من قطع الملابس في مكان واحد ، هذه القطع التي تنوعت وشملت ما يستخدمه الأطفال حديثي الولادة حتى يصل الى الشيوخ كبار السن ، أدخل في عمق متاهة الملابس وأدور في درجات الأحمر لأتطلع الى هذا البناء الهارموني بين الأحمر والبنفسجي . أسير الى الخارج ثم ألتفت قليلاً الى جبل الملابس المعلقة خلفي وأنا أفكر بأن الفن شيء رائع سواء كان لوحة أو تمثال أو حتى قطعة ملابس حمراء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram