TOP

جريدة المدى > ملحق ذاكرة عراقية > اسرار هروب الامير عبد الاله من قصر الرحاب- القسم الاول

اسرار هروب الامير عبد الاله من قصر الرحاب- القسم الاول

نشر في: 6 ديسمبر, 2009: 05:09 م

نشر الباحث والمؤرخ الراحل عبد الجبار العمر عددا من الموضوعات عن تاريخ العراق السياسي اطلق عليها اسم ملفات عراقية في عدد من الصحف والمجلات العراقية والعربية .. اسرار هروب عبد الاله تنشرها ذاكرة عراقية في حلقتين وسبق وان نشرت في جريدة الاتحاد عام 1986 كان الامير عبد الاله يشعر بالوحشة والقلق في مساء اليوم الاول من نيسان 1941.
والمعروف انه لم يباشر مهام منصبه وصيا على العرش في البلاط الملكي في ذلك اليوم. قبل ذلك بايام امضى وقتا في المزارع الملكية في البغيلة (النعمانية) وعندما عاد بادر الى الاجتماع بمجلس الوزراء شخصيا ثم اجرى بعدها عددا من الاتصالات التلفونية مع بعض الساسة، ومع ذلك بقي قلقا مشتتا حيث لم يعثـر حتى ذلك الوقت على امل يملأ صدره بالأمن ونفسه بالهدوء. كانت مشكلته مع (القادة) تتفاقم يوما بعد يوم. وفي الاحيان القليلة التي يخلد فيها الى قسط من الطمأنينة كان الساسة الذين اخذ اتساع نفوذ (القادة) يتهددهم بالبطالة يجهزون على دعته تلك بقسوة متناهية. لقد سمع اكثـر من واحد منهم يرددون هذا النص: ـ "لا يمكن ان تكون اميرا، والقادة على رأس الجيش، انهم يستهدفون حياتك قبل اي شيء.. يا سو الامير." ما ان يسمع مثل ذلك الكلام حتى يعود فيستنجد بكبير وزرائه (طه باشا) ووعده بتفريق القادة وتشتيت شملهم كخطوة اولى ريثما ينتهي الى خطة يبعدهم فيها عن الجيش تماما. ومع ان طه الهاشمي كان يتلكأ في تنفيذ تلك المهمة التي يعلم حق العلم انها محفوفة بالمخاطر، وقد تفجر الوضع في العراق من اقصاه الى ادناه، الا انه اصدر امرا بنقل العقيد كامل شبيب من بغداد الى الديوانية لقيادة الفرقة الرابعة فيها بدلا من (امير اللواء) الركن ابراهيم الراوي. وما ان شاع امر النقل حتى وقع المحذور حيث تمرد القادة على رئيس الوزراء الذي كان وزيرا للدفاع في الوقت نفسه واصروا على بقاء رفيقهم شبيب في بغداد. وهنا هدد طه الهاشمي بالاستقالة. اما القادة فلم يكترثوا لذلك بعد ان اتضح لهم ان نقل كامل شبيب الى الديوانية ليس غير الخطوة الاولى على طريق ابعادهم عن الجيش ابعادا تاما. في تل الاثناء انطوى الامير عبد الآله على نفسه. لقد حاول ان يجس الارض التي يقف عليها فوجدها رخوة وانه غير كفء لمنازلة القادة بقوته الذاتية في أية معركة. قصر الرحاب يخيم عليه صمت الموتى، فالاميرات اخواته وكذلك والدته الملة نفيسة آثرن قضاء سهرتهن في قصر الزهور ربما للحديث عن الحفل العائلي الذي يجب ان يقام لمناسبة عيد تتويج الملك فيصل الثاني بعد ثلاثة ا يام من تلك الليلة. والخدم الذين تحتم عليهم واجباتهم البقاء في القصر لا يكاد احدهم يأتي بنأمة خوفا من اثارة غضب الامير الذي بدا مكفهر الوجه، تتسم حركاته بالعصبية والانفعال. اخذ شعوره بالوحدة يطبق على انفاسه كلما تقدم به الليل، حتى انه "عندما انتهى واجب المرافق الملازم الاول قاسم واراد الانصراف الى قصر المرافقين ليصيب قسطا من الراحة استبقاه الامير الى جانبه" وبعد ان تناولا طعام العشاء معا "اخذا يذرعان حديقة القصر جيئة وذهابا" دون ان يحسا ببرد الشتاء الذي تأخر قليلا في تلك السنة. وبالرغم من اننا لا نعرف جلية الحديث الذي جرى بين الامير و مرافقه الذي كان اصغر من ان يطلع على هموم سيده الكبيرة، الا اننا نحدس انه كان يدور حول متاعب الامير السياسية والازمات الحادة المتتالية التي اخذت تنشب بينه وبين قادة الجيش ومعهم الاستاذ رشيد عالي الكيلاني، وربما سرح ذهنه ـ في بعض نوبات صمته ـ في الموازنة بين قوته وقوتهم لو انه اراد منازلتهم في صراع مكشوف على ان مثل تلك الموازنة كانت تزيد في كمده وتجعله يغص بريقه. صحيح، انه لم يقف مكتوف اليدين ازاء الازمة المتنامية. لقد زوده السفير البريطاني في بغداد بمبالغ من المال ـ تم ذلك بواسطة الدكتور سندرسن ليشتري بها بعض الذين وضعوا ذممهم في سوق النخاسة السياسية. كان داعيته في الفرات الاوسط السيد محسن ابو طبيخ، الذي افترق على رفيقه القديم عبد الواحد الملي فيدفع اليهم السيد باقر سرشك (باقر بلاط) ثمن ولائهم المعلن للامير بعد ان يستحلفهم على كتاب الله بالوفاء للوصي على العرش. كما اخذ مرافقه الرئيس الاول (الرائد) عبيد بن عبد الله المضايفي يزور الوحدات العسكرية فيؤلب الضباط للانقضاض على قادتهم. ولكنه لم يستطع تأمين ولاء حقيقي له بسبب انحيازه الى الجهة المعادية للشعب ومثل هذا الولاء يكون في العادة محصورا في طبقات محدودة ذات دائرة ضيقة لانه لا يمتلك المنطق الذي يكفل له الاتساع والانتشار بين الناس. قبل شهرين ردد الفريق امين زكي وكيل رئيس اركان الجيش ومعه العقيد صلاح الدين الصباغ اكثر من مرة امام السيد محمد الصدر رئيس مجلس الاعيان قولهما: ـ "ان هذا الولد ـ ويريدان أن ألامير بالذات ـ اذا لم يشأ ان يرحم نفسه فليرحم امه واخواته". غير انه لا اخواته العائدات من قصر الزهور، ولا سائق السيارة الذي عاد بهن لاحظوا شيئا غير اعتيادي على الطريق بين القصرين اللذين يقعان في ارباض المدينة، ولا يبعد احدهما عن الآخر سوى غلوة سهم، لقد بدا للجميع كما لو ان ليلتهم تلك ستمضي شأنها في ذلك شأن شبيهاتها من الليالي الفائتة. لكن تلك الليلة كانت حبلى فعلا وهي في المخا

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

هل كانت ثورة 14 تموز في العراق حتمية؟

د. عبدالخالق حسين لو لم يتم اغتيال ثورة 14 تموز في الانقلاب الدموي يوم 8 شباط 1963، ولو سمح لها بمواصلة مسيرتها في تنفيذ برنامجها الإصلاحي في التنمية البشرية والاقتصادية، والسياسية والثقافية والعدالة الاجتماعية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram