اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > الدم الرخيص

الدم الرخيص

نشر في: 23 أغسطس, 2014: 09:01 م

يبدو البعض سعداء وهم يتابعون اخبار المجزرة التي حصلت في احد مساجد ديالى، فمبدأ المساواة التي نادت به يوما الزعيمة حنان الفتلاوي يتحقق على ارض الواقع، يقول لك احدهم وهو يعلق ببرود على الحادث، الم تفتك عصابات داعش من قبل بشباب "شيعة" ابرياء في سبايكر، الم يقتل أهالي تلعفر من قبل على يد مليشيات سنية؟ منذ حادثة المسجد وانا اقرأ تعليقات وكتابات تكشف عن مستوى الطائفية المتوحشة التي وصلنا إليها؟
في كل الحوادث التي تسال فيها دماء الأبرياء هناك سؤال لاحد يريد الإجابة عليه، كيف بنت الكراهية والوحشية قواعدها في العراق؟ سيقولون لماذا تكتب عن مقتل العشرات، وتنسى مئات الضحايا الذين سقطوا جراء الكراهية أيضا؟
في حكاية الكراهية، هناك الكثير ما يمكن التوقف عنده.. كيف تعدّ الجريمة مجرد صولة لتطبيق مفاهيم العدالة في القتل؟ كيف تجد مبررا للفتك بإنسان أعزل، وأنت تشعر بأنك حققت انتصارا على أعداء خارجين على إرادتك؟ أحاول هنا أن أسير خلف الحكايات، لأكتشف من خلالها، كمّاً كبيرا من المتناقضات، ففي الوقت الذي يحاول البعض التخفيف من هول جريمة ديالى ، نراهم عاجزين عن محاسبة الأجهزة الأمنية التي تصّر على أن توهمنا جميعا بان "الوضع ما يزال تحت السيطرة".
في حكاية الكراهية، هناك طرف يريد من الناس أن يخافوا بأي طريقة.. مطلوب منهم أن يعيشوا في أغلال الكراهية، يريدون مواطنا طائفيا بامتياز، لا يسأل عن عدد الذين تم اضطهادهم أو قتلهم، وإنما يستنكر الخروج على إرادة أمراء الطائفة، الذين بيدهم مفاتيح الدنيا.. مواطن يكره جاره لأنه لا ينتمي إلى طائفته.. ومن أجل هذا فلابد من إقامة نظام يجعل امراء الطوائف ، هم أصل كل الأشياء، هم الذين يحدد لك من العدو ، ومن المسموح لك بمصافحته.. ولأنك مواطن ضعيف العقل والإرادة، فلابد من حمايتك من تأثير الغرباء الذين يتآمرون على قيم المجتمع، لذلك عليك أن تخاف من كل ما لا ينتمي لعقيدتك.. والأهم عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع.
استئصال المختلفين معك عقيدة يريد أمراء الطوائف تثبيتها في أذهان الناس، وعلى الجميع الانضمام إلى جوقة "السمع والطاعة"، هكذا يراد منا أن نعيش في ظل دولة الكراهية التي تصرّ على أن تجعل من الطائفة هوية، بديلا للمواطنة.. وهي التي ظلت ولا تزال تفسير الفشل في الخدمات والأزمات السياسية بأنه نتيجة المؤامرات الخارجية.
بضاعة الكراهية هي كل ما تبقى عند مسؤولينا وسياسيينا وللاسف اخذت تزحف بهدوء الى نخبنا الثقافية.. كراهية تقوم على التمييز بين أبناء هذا البلد على أساس مدى قربهم من هذا الحزب ودفاعهم عن تلك الطائفة، ولأنها بضاعة فاسدة ومغشوشة فإن أصحابها يفسرون معاناة الناس والظلم الذي يعيشون في ظله مظلومية كل طائفة.. مجموعات تعتمد على تحويل الكراهية إلى خطاب يومي يصوّر للبسطاء أن معاداة الآخرين هي الطريق إلى حياة حرة وكريمة .
يتشابه التخلف ومعه الكراهية. وتختلف أرقام وأحجام الضحايا، فيما الناس تدفع ثمن ما تجمّع عليها من روزخونية ارتدوا زي الساسة، خطفوا كل شيء، المال والقانون، والرفاهية، والأمل. تجمَّعوا وخرجوا في خطاب كريه، في اللحظة التي يخرج فيها العالم كل يوم إلى الحرية والعدالة الاجتماعية والمستقبل... فيما نحن لانزال نصرّ على أن الطريق الوحيد للتطور يمرّ عبر "قتل" مواطن، لأنه ليس من طائفتنا.
يا مَن تفرحون لموت الآخر عليكم أن تعرفوا أنكم لستم وحدكم في هذه البلاد ، لا أنتم ولا مَن يشبهونكم، هذا وطن ، المواطنة فيه ليست مِنَحاً توزَّع حسب الطائفة، هذا وطن سيحتضِر لو أُلغي فيه حق الآخر، أو انتصر فيه امراء الميليشيات على مَن هم أضعف منهم.. أو قـُهر فيه البعض لصالح القطيع الطائفي، خراب العراق ليس في الحرب القذرة التي تخوضها عصابات داعش ضد الابرياء ، بل في الحروب التي يخوضها عتاة الطائفية والتي يريدون من خلالها قتل النفوس والمشاعر، وحجب النور، ليتحول العراق إلى ظلام دامس!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 7

  1. ابو احمد

    الاخ علي المحترم تحية وتقدير أتابع بشكل مستمر ماتكتب ،وانا هنا في غربتي بعيدا عن وطني الذي عشت فيه اكثر من ستون عاما وأتألم للأخبار التي أتابعها يوميا التي أدت بنا الى هذا المنزلق الخطير ،انا شخصيا لاأعرفك ومن أية طائفة تكون لكن هي أمانة تاريخيه أودّ نقله

  2. ابو اثير

    سيدي الكريم... سيبقى الشعب العراقي موحدا وسالما رغم دناءة الغدر والقتل التي جائت مع المحتل ورغم سياسي الصدفة الحقيرة الذين يدعون تمثيل الشعب العراقي من الثيوقراطيين المتأسلمين بثياب الأسلام من المكونين السني والشيعي وليأخذوا العبرة من السيدة الفاضلة فيان

  3. ابو هبة المهجر

    اهلًا اخي علي حسين ، بعثت إضافي وللأسف لم تنشر ، اذا لم تعجب الادارة من الواجب الأخلاقي الإعلامي ان تبلغوني سبب عدم نشر الإضافة ، هل ان إضافتي أزعجت احد ، انتظر الرد وسبب عدم النشر ، بريدي معكم ؟؟؟؟ ابو هبة

  4. ساري الاسدي

    المسلمات المحنكات المسودات من لبس السوادهؤلاء من النسوة لا يعجبنك وهل تريد الجاهلية الاولى قبل الاسلام وشكرا ايها المبدع الكبير الثائر الذي يرجى خيره اسوة بقائد الثورة الفرنسية جان جاك روسو

  5. عراقي انا

    ًَالنساء المسودات في البرلمان اتت بهم الكتل مجبرة حسب الدستور ولا تاثير لهم الا عند كلمة(موافج)عدا ممن ذكرتهم من المهرجات (الرفيقات )اما النائبة فين لمَ لم يغمى عليها على المجازر التي حدثت في سبايكر والموصل وتلعفر وغيرها من الاعمال الارهابية في العراق الا

  6. ابو هبة

    اكتب لك اخي علي حسين ، للأسف لم تنشروا إضافتي ، اعتقد لم تعجب الادارة ، هذه اخر اضافة وملاحظة اكتبها على صفحتكم للأسف ، اود لو هناك ضمير إعلامي وصادق ، يعرض ما تعرضت له مدرسة العلم من قصف وحشي في تكريت وراح ضحيتها عوائل كاملة من وحشية القصف اللاأخلاقي للق

  7. هلال

    اتسائل الم يتم القبض على اى حد من الدولة الاسلامية واذا كان هناك من قبض عليهم لماذا لا يعرضون على الشاشة لكي يطلع الناس على هذه الانواع من البشر ومن يمولهم او يسندهم او يدعمهم ؟

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

الأحوال الشخصية.. 100 عام إلى الوراء

وظيفة القرن: مدير أعمال الشهرة والانتشار

العمودالثامن: يا طرطرا.."!

العمودالثامن: ماذا يريدون ؟

مقترح تعديل قانون الأحوال الشخصية العراقي.. في المنطق القانوني

العمودالثامن: درس تشرين ودرس بنغلاديش

 علي حسين ما هو الفارق بين ما جرى في تشرين عام 2019 في بغداد والمحافظات.. وما جرى في البلاد الفقيرة بنغلاديش خلال الأيام الماضية؟ في العراق جرى قتل أكثر من 700 شاب.. وجرح...
علي حسين

متى تتكلم الأغلبية الصامتة؟ وماذا بعد قانون الأحوال الشخصية؟

د.غادة العاملي يثار جدل واسع حول تعديل قانون الاحوال الشخصية وخطورة التداعيات الاجتماعية التي تسبب بها، ويبدو من السجالات والمناظرات والندوات التي ترافق النقاشات المرتبطة بقانون الاحوال الشخصية، ان حزمة قوانين اخرى تنتظر التمرير...
د.غادة العاملي

عشر أفكار حول تطييف قانون الأحوال الشخصية

علي المدن لا أحد يعلم على وجه الدقة انطباعات العراقيين حول مقترح تطييف قانون أحوالهم الشخصية، وأنا شخصيا لم أقرأ حتى الآن أي أستطلاع للرأي العام حول هذا الموضوع المعقد، وعليه؛ ستبقى مسألة مقاومتهم...
علي المدن

في مواكبة الـ (المدى)..

لاهاي عبد الحسين يوافق الاحتفال بالذكرى الحادية والعشرين لانطلاق "المدى" كمشروع ثقافي واعلامي وطني مسؤول مع الضجة التي أحدثها تقديم مشروع تعديل قانون الأحوال الشخصية المرقم 188 لسنة 1959 في مجلس النواب العراقي. هذا...
لاهاي عبد الحسين
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram