فجأة اكتشف البيت الأبيض أن داعش يمكن أن تكون خطراً يهدد المصالح الأميركية، فبدأ بتسريب أنباء عن استعداد واشنطن للتحرك، وأنه يدرس بجدية إمكانية شن ضربات عسكرية على مسلحي هذا التنظيم في سوريا، بينما اعتبر البنتاغون أن القيام بمثل هذه العمليات قد يكون ضرورياً، هذا الموقف جاء بعد نشر فيديو لذبح الصحفي الأميركي جيمس فولي، وهو ما اعتبرته واشنطن مؤامرة ضد الأميركيين، وتهديداً للولايات المتحدة، يستدعي مطاردة الفاعلين أينما وجدوا، وعلى نفس المنوال نسج مسؤول عسكري أميركي تصريحاً، أكد فيه إمكانية مهاجمة معسكرات تدريب الدواعش، وشن هجمات ضد أهداف مهمة جداً وشخصيات من الحركة.
في الأثناء بدأت الصحافة الغربية التمهيد لاحتمالات التعاون الغربي مع النظام السوري، في إطار الحرب ضد داعش، معترفة بصعوبة حربها في العراق من دون سوريا، هذا التعاون بدأ عبر السفارة الألمانية في بيروت، التي فتحت قنوات التواصل المخابراتي، حيث زودت الاستخبارات الأمريكية دمشق بمعلومات دقيقة، عبر الاستخبارات الألمانية حول أماكن وجود قادة المسلحين، ما مكن الجيش السوري من شن هجمات دقيقة على مواقع تنظيم الدولة، والواضح أن أوباما لن يكتفي بهذا القدر من التعاون، إذ سيرضخ لمطالبات أعضاء بارزين في الكونغرس، بتكثيف الضغط العسكري ضد مقاتلي الدولة الإسلامية، بما في ذلك قصف مواقع في سوريا، فيما تسربت معلومات عن قيام الجيش الأميركي، بعملية فشلت في تحرير عدد من الرهائن الغربيين، كانوا مُحتجزين في معسكر أسامة بن لادن، التابع لتنظيم "داعش" في ريف الرقة السورية.
بالتزامن مع هذه التسريبات، انطلقت في عالمنا العربي دعوات لعمل إقليمي متكامل بقيادة واشنطن، لدحر داعش ووقف الانهيار في سوريا والعراق، وعلى أساس أن هذه الكارثة لن تنتهي إلا إذا استُؤصلت من سوريا، حيث لن يكون كافياً مجرد القصف الجوي الأميركي لمقاتليها في العراق، إلا إن كان جزءا من خطة شاملة، تستهدف دحر هذا التنظيم عسكرياً، وتجفيف مصادر تمويله، على أن المخاوف المرافقة لهذه الدعوة، تكمن في موقف الإدارة الأميركية الانعزالي، في ظل قيادة أوباما، الذي أثبت عدم امتلاكه غير بلاغة خطابية لم تعد مجدية، وخبا الأمل من ترجمتها إلى واقع إيجابي على الأرض، كان وعد بتحقيقه في بداية فترته الرئاسية.
يعني ذلك أن على القادة العرب وضع خطة شاملة للقضاء على داعش، وتحجيم نهجها التكفيري الظلامي، وبما أنهم عاجزون عن قيادة الحل وتنفيذه منفردين، فإن عليهم إقناع العالم بمشاركتهم، عبر تنويرهم بخطر هذا التنظيم المنفلت من كل عقال على مصالحهم وعلى مجتمعاتهم، بديهي أن سياسات القادة العرب الانعزالية عن العراق بعد سقوط نظام صدام، أسفرت عن تمزقه الى طوائف متناحرة، وألقت أزمته بظلالها على سوريا، ما يعني وجوب الارتكاز إلى خطة شاملة، تؤطر الجهد العسكري في حل سياسي متكامل، مُدرك لترابط الأوضاع فيهما، وقادر على مواجهة واقعهما، الذي بدأ بتفكيك مجتمعاتهما إلى طوائف متناحرة، وأعراق تبحث عن الحماية.
العمل العسكري بأفق سياسي واضح هو الحل، حيث استحالة وقف هذا الانهيار المريع، بغير مبادرة تنبع من المنطقة، وتكون مدركة لشروط الخروج من واقعها المؤلم، وتستند إلى مشاركة دولية حقيقية، وتسعى لفرض حل حقيقي يقتلع الأزمة من جذورها، ولا يتوقف عند محاولة معالجة تداعياتها، التي فتحت عين واشنطن على عمق الأزمة، وإلا فإن عسكر أوباما سيغادرون، بعد التثبت من انحسار خطر داعش على مصالحهم وحياة الأميركيين، فيما يظل العرب يتدحرجون في هاوية الضياعٍ، ترافقهم أصداء أغنية "اللي شبكنا يخلصنا".
داعش.. واللي شبكنا يخلصنا
[post-views]
نشر في: 24 أغسطس, 2014: 09:01 م