افتتاحية العدد السابق من المدى، نجحت في اثارة نقاش لم يحظ بعد بالاهتمام المطلوب في الصحافة، رغم انه يشغل كواليس السياسة. فالكتل النيابية قدمت اوراق تفاوضها للتحالف الوطني. والمعلومات تقول ان احزاب التحالف نفسها قدمت اوراق تفاوض مع رئيس الوزراء المكلف الدكتور حيدر العبادي. وهناك من يقول ان المطالب مستحيلة، وانها تعجيزية.
ولا اريد الحديث عن الخلافات حول الارض والمال كثيرا، رغم انها مهمة وجوهرية، وعمرها ١١ عاما في النظام الجديد، ولا بد ان يكون هناك نموذج حل متحضر لها، اسوة ببقية الامم التي ادارت صراعاتها بنحو غير مكلف. والا فاننا سنغطس في مزيد من العداء والتفكك ونخسر جميعا ولا شك.
لكن ما اتمنى ان يحظى بنقاش كاف وامام الرأي العام، هو صوغ الضمانات التي تكفينا شر تكرار ما حصل من ادارة خاطئة للصراع، وتعيد صوغ قواعد لعبة الالتزام.
الانهيار التدريجي الذي شهده بلدنا منذ لحظة خروج الاميركان، كان انهيارا في قواعد العمل. تلك القواعد التي ولدت التهدئة المطلوبة، وجعلتنا نعيش استقرارا اكثر من نسبي حتى ما بعد ٢٠١١، يوم كنا نرى المسافرين الايرانيين نحو الشام، يتناولون الطعام منتصف الليل، في مطاعم الرمادي وعلى الطريق الدولي، بسلام تام.
والانهيار شبه الشامل الذي شهدناه في الشهور الاخيرة، كان صورة للانهيار الرهيب في قاعدة العمل، فلاول مرة لاحظنا مؤشر الانحدار السياسي يقفز الى مستويات صعبة التصديق، في الاقتراع الماضي، حين طردنا من الترشح جمهرة من النواب البارزين والمثابرين (من طائفتنا الحاكمة نفسها) بتهمة"النيل من رئيس الحكومة"، وشهدنا كذلك قطع رواتب موظفي كردستان، وشهدنا تصرفات مؤسفة مع اهل الانبار.
ولذلك فان اللحظة الراهنة هي لحظة تأسيس ثانية للنظام السياسي الجديد في العراق، وليست مجرد تشكيل حكومة. بمعنى ان النظام السياسي التعددي القائم على شراكة واعدة مسؤولة، تعرض الى انهيار، وما نحتاجه اليوم هو اعادة بناء النظام بشكل رصين، وبنحو محصن يمنع خرابه.
واعادة بناء النظام يتطلب لا مجرد بنود اصلاح سياسي، وانما ضمانات لتطبيق الاصلاح والالتزام به، واحياء للاتفاقات القديمة التي ماتت، وتكييفها مع المستجدات الحالية.
وهذا التأسيس الجديد للنظام السياسي، يلعب دورا في اكثر من مجال، فهو يساعد على تقديمنا للامم المتحضرة، كشعب يتعامل مع كوارثه بنضج وحساسية ومسؤولية، ويبني ثقة بالعراق كبلد فاشل يجد الطريق للتصحيح.
وهذا التأسيس الجديد للنظام السياسي، يلعب دورا داخليا ايضا، عبر مساعدة المواطن نفسه على استعادة الايمان بالسياسة وجدواها، كمسار يمنحه الامل في اقسى لحظات اليأس. اذ لم تتمكن البنادق من رسم هذه اللوحات الدامية، الا حين كفر جزء من الجمهور بالدولة، وفقد ايمانه بجدوى السياسة والسياسيين، ورأى ان لا احد سيضمن حقوقه وامنه ومصيره سوى ان يرفع السلاح، وقد استثمرت التنظيمات المتشددة هذا المناخ المؤلم ونجحت في استغلاله بالنحو الامثل.
لقد ولد امل كبير وساد ارتياح واضح، في الداخل والخارج، حين جرى تكليف الدكتور العبادي بتشكيل الوزارة، كمؤشر على هبوب رياح الاصلاح والتغيير. لكن الاختبار الابرز بدأ في تلك اللحظة وحسب، فكيف نطور ونستثمر هذا الشعور بالامل، لنقدم حزمة حلول والتزامات بمستوى الكارثة التي تبخر نتيجة لها، معظم المضمون العملي لنظامنا السياسي المحاط بالمشاكل؟
الرأي العام والصحافة، مطالبان اليوم بايلاء هذا التأسيس الجديد للنظام السياسي، الاهتمام المطلوب، وضغوط التوقيتات والوضع العسكري التي قد تضعف مسار التفاوض في هذا الاطار، يجب ان تقابلها ضغوطنا نحن المحكومون، على اساس ان التعجيز ليس في المطالب التي يتسلمها حزب الدعوة او التحالف الوطني، وانما التعجيز هو ان تطلب مني دعم حكومتك قبل ان افهم ضمانات الصفقة التي نريد لها ان تخفف من سوء الكارثة الواقعة اصلا، كي لا انزلق ثانية في مستوى اعمق من الهاوية.
التأسيس الثاني للنظام
[post-views]
نشر في: 25 أغسطس, 2014: 09:01 م
جميع التعليقات 1
احمد
الاستاذ المحترم كان خطاب السيد رئيس الوزراء العبادي منطقي يوم غد وتناول كل الاشكالات مع الاقليم والسنة وقال ان مطالبهم هي مطالبي انا وسوف اعمل على حلها اي ان النية والارادة الصادقة متوفرة...مع التقدير