مُبكّراً كشف محمد الزيود الأمين العام الجديد لحزب جبهة العمل الإسلامي الأردني، التابع لجماعة الإخوان المسلمين، عن صقورية مُبالغ فيها، تتجنب إعمال العقل وتتجاهل الواقع السياسي، وحلّق بعيداً وهو يطالب الحكومة بإلغاء اتفاقية السلام مع إسرائيل، وطرد سفيرها من عمان، وغلّف كل ذلك بالتباكي على ما "تعرض له المسجد الأقصى المبارك من خطر داهم وتهديد حقيقي، والعمل على تهويده وتقسميه زمانياً ومكانياً، فيما يراوح الموقف العربي الرسمي عند حدود الشجب والإدانة، بينما يقوم المقدسيون بكل أشكال التصدي لهذه الهجمة الشرسة، وقد انكشف ظهرهم وهم يحتاجون على الدوام إلى من يساعدهم في ثباتهم، وتصديهم لكافة أشكال التهويد التي يتعرض لها الأقصى"، بالطبع ليس مفهوماً التقسيم الزماني، إلاّ إن كان لدواعي السجع، كما نسي فضيلة الأمين العام عمليات التهويد التي تتعرض لها المدينة بكاملها.
يقرر الزيود، القادم إلى موقعه الحزبي من الصفوف الخلفية للجماعة، ونيابة عن الجميع، أن الأردن يستطيع بحكم الولاية الدينية له على المقدسات الإسلامية في القدس، أن يكون صاحب دور ريادي في التصدي للمخططات الرامية إلى تصفية القضية الفلسطينية، وتهويد الأقصى، لكنه يرى بأن الموقف الرسمي الأردني يجب أن يكون أكثر إيجابية، لردع هذه الاعتداءات الغاشمة والانتهاكات الخطيرة، معتبراً أن "أقل ما يجب القيام به هو التلويح بإلغاء معاهدة السلام، وطرد السفير الإسرائيلي من عمان، كخطوة أولى على طريق خطوات أخرى ضاغطة على الكيان الصهيوني"، لكنه طبعاً لايحدد تلك الخطوات، فمهمته هي التوجيه، وهو بالتأكيد لايعرف كلفة ما قد يكون خطر على باله من خطوات، قد يكون على رأسها شن الحرب ضد "الكيان المسخ والدولة المزعومة"، ولا ندري إن كان خطط لتجويع السمك انتظاراً للحم اليهود الطري، حين تلقى جثثهم في البحر، أو حين يفرون أمام جحافل جند الاخوان المسلمين، كما لاندري إن كان يعرف أن الولاية التي يتحدث عنها خاصة بالهاشميين وليس بالدولة الأردنية.
دون أي تقدير لإمكانات الأردن، والتي يفترض أن يعرفها أمين عام أكبر حزب في البلاد، ودون أي حساب للخسائر التي يمكن أن تنجم عن أي قرار أهوج، وفي مزاودة رخيصة ومفضوحة، يؤكد الزيود الذي نعرف أنه تسلل إلى موقعه، عبر تغييب شخصيات وازنة وعاقلة عن مواقع القرار، وفي مؤامرات بعيدة عن أي خلق يدعيه الإسلامويون، يقرر أن على الحكومة الأردنية اتخاذ قرارات سريعة وحاسمة "تعمل على لجم صلف وعنجهية الكيان الصهيوني المتغطرس، وتسهم في حماية المقدسات وصونها من عبث العابثين وتدنيس المحتلين"، وكأن الرجل قادم من المريخ، ويجهل قدرات الأردن وإمكاناته، لكنه يُجيد انتقاء الكلمات الفخمة، والمؤكد أنه لايجيد أكثر من ذلك، إلاّ إن كان سيعطينا درساً في مبطلات الوضوء.
يظن البعض أننا نتجنى على الإخوان المسلمين لمجرد مناكفتهم، أو بسبب انتمائنا الفكري لليسار العلماني، وانحيازنا لخيار الدولة المدنية الديمقراطية، والأمر ليس كذلك بالتأكيد، فنحن مستعدون لتأييد أي فكرة أو توجه، يخدم المصلحة العامة أو القضايا الوطنية، بغض النظر عن الجهة التي صدر عنها، لكننا لانستطيع إلاّ أن نكون ضد كل استغلال للدين، لتحقيق مكاسب حزبية رخيصة، وهذا ما يتبناه الإخوان، سواء في الأردن أو أي بقعة أخرى في هذا العالم، والمصيبة أنهم لايعترفون بأن أوراقهم انكشفت، وأن غاياتهم انفضحت، وأنه لم يعد أمامهم غير الاعتراف بالهزيمة، ومراجعة مواقفهم وأفكارهم، بدل تصدير النكرات للقيام بقيادة الأمة، وتوجيه الدفة، كما فعل الزيود مطبقاً المثل القائل "من أول غزواته كسر عصاته".
أول غزواته كسر عصاته
[post-views]
نشر في: 26 أغسطس, 2014: 09:01 م