TOP

جريدة المدى > سينما > مقابلة مع بيلا تار.. لماذا قال إنّ "حصان تورينو" هو آخر أفلامه؟

مقابلة مع بيلا تار.. لماذا قال إنّ "حصان تورينو" هو آخر أفلامه؟

نشر في: 27 أغسطس, 2014: 09:01 م

ربما ليس من الدقة القول أن إطلاق فيلم "حصان تورينو" لبيلا تار يؤشر نهاية صنعة هذا المخرج الهنغاري. إن تار بالأحرى وصل إلى نهاية مرحلة واحدة وبداية مرحلة أخرى. ومع إطلاق فيلمه العاشر أصبح من الواضح أن تار فكر بصنع الأفلام؛ والآن يريد أن يركز على طاقته

ربما ليس من الدقة القول أن إطلاق فيلم "حصان تورينو" لبيلا تار يؤشر نهاية صنعة هذا المخرج الهنغاري. إن تار بالأحرى وصل إلى نهاية مرحلة واحدة وبداية مرحلة أخرى. ومع إطلاق فيلمه العاشر أصبح من الواضح أن تار فكر بصنع الأفلام؛ والآن يريد أن يركز على طاقته في تعليم الآخرين كيفية صناعتها. إن أي شخص تعوّد على أعمال تار منذ أوائل الثمانينيات، من الفيلم الأسود التصحيحي "الإدانة" وحتى فيلمه الأسطوري "تانغو الشيطان" الذي يسجل حياة بلدة في ساعة وسبع دقائق سوف يشعر حالاً وكأنه في بيته مع فيلم "حصان تورينو" الذي يحمل كل العلامات التجارية لأسلوبه: عمل الكاميرا الكئيب والصور الفوتوغرافية الصارمة بالأبيض والأسود والزوايا التجريبية من أضأل أثر للسرد المباشر. ولكونه قصة رجل وابنته وحصانهما المخلص في ريف موحش ربما يمثل نهاية الوجود، فإن الفيلم بالتأكيد يظهر ليشير إلى ذروة صنعة تار- حتى لو أنه  يصفه بهذه المصطلحات.    في مكالمة هاتفية من هنغاريا أوضح تار – باستقباله الجامد المعتاد- السبب في اختياره فيلم "حصان تورينو " كمشروع أخير له وهو يتأمل في تطور صنعته المميزة ويلمح إلى ما هو قادم.
 
*بينما تمتد أعمالك عبر ثلاثين سنة إلا أنك صنعت حفنة من الأفلام الطويلة فقط، وتبقى بدون شباك تذاكر رغم المراجعات الإيجابية عنك. لماذا تتوقف عن صناعة الأفلام وأنت ما زلت في قمة عطائك؟ 
- أنت على حق. إن صناعة الأفلام هي مهنة برجوازية جميلة. لكني في الواقع لا أرغب في الاستمرار بممارستها. إني صانع فيلم غير حقيقي. كنت دائماً فيها من أجل الناس وفقط أريد أن أقول شيئاً عن حياتهم. وخلال الأربع والثلاثين سنة هذه قلت كل شيء أريد أن أقوله. أستطيع أن أعيده وأستطيع أن أفعل مئات الأمور لكني في الواقع لا أريد أن أضجرك. في الحقيقة لا أريد أن أستنسخ أفلامي. تلك هي المسألة. 
*هل تتذكر متى قررت التوقف؟ 
- اعتقد أنه كان عام 2008 حين كنت في مقابلة مع مجلة "كاييه دو سينما" (دفاتر السينما) وكان لديّ شعور بأني أستطيع أن أصنع فيلم آخر هو "حصان تورينو" ثم أغلق الدكان. 
*أي أنك حين كنت تصور "حصان تورينو" كنت تفكر به كونه آخر فيلم لك؟
- نعم. الكل كان يعرف. الكادر كله يعرف أنه سيكون آخر فيلم لي. بالطبع أرادوا أن يقنعوني أن أصنع المزيد لكني لا أستطيع. هذا قراري الشخصي. ولا أستطيع أن أردد ما قلته سابقاً. 
*حين يتكلم الناس عن أسلوبك في الإخراج يشيرون عادة إلى فترة بدأت فيها بفيلم "الإدانة": استعملت الأبيض والأسود، السرد البطيء، اللقطات الطويلة وما شابه. لكن نسختك التلفزيونية من "مكبث" صورت في لقطتين وفيلمك الملون التعبيري "تقويم السقوط" يظهر مجالك الأوسع كما يظهر في فيلمك الدرامي الأول "عش العائلة" ذات الطابع الواقعي الاجتماعي.
- في بداية صنعتي كنت أحمل الكثير من الغضب الاجتماعي. أريد فقط أن أخبرك كما كان المجتمع قذراً. تلك كانت البداية. بعد ذلك بدأت أفهم بأن المشاكل لم تكن اجتماعية فقط؛ فقد كانت أعمق. اعتقدت أنها كانت أنطولوجية فقط. كان الأمر في غاية التعقيد. وحين فهمت أكثر فأكثر وحين أصبحت أقرب إلى الناس. بعد ذلك استطعت أن أفهم أن المشاكل لم تكن مجرد أنطولوجية. كانت كونية. العالم القذر برمته انتهى. ذلك ما فهمته. وذلك هو السبب في تغير أسلوبي. ما أن انحدرت حتى بقيت انحدر. أصبح الأسلوب أكثر انحداراً في النهاية أصبح أكثر بساطة وخالصاً جداً. وذلك ما أثار اهتمامي كي أكتشف شيئاً ما تدريجياً. 
*ذلك يوضح انتقالك ما وراء التركيز الحصري على الشخصيات. ففيلم "عش العائلة" يتكون تماماً من اللقطات الكبيرة "كلوز آب" لكن أفلامك المتأخرة تؤكد بشكل كبير على البيئة المجاورة. 
- لكن حين تشاهدها معاً كلها تستطيع أن ترى بان هذا هو عمل الرجل نفسه. تستطيع أن ترى المونولوجات الطويلة في فيلم" عش العائلة" فهي هناك مسبقاً. 
*لقطة الافتتاح في فيلم "حصان تورينو" أثار جدلاً طويلاً بين عدد من النقاد. تتحرى الكاميرا الحصان وراكبه من منظورات مختلفة وهي تتسابق جنباً إلى جنب مع الزخم القوي. كيف تصورت هذا المشهد الاستهلالي؟ 
- عليك أن تفهم حين تصنع فيلماً بأنه يتوجب عليك أن تقدم كل شيء. في هذه الحالة الحصان والفارس. هذا كل ما في المسألة. فهمت؟ 
*لكن في الوقت نفسه، هذا الفيلم اعتمد على قصة مشكوك بها عن تعاطف نيتشه مع حصان مضروب. فقد انحدر في دورات مكررة وحوار متناثر. إنه يلتمس تأويلاً، فلماذا لم يطعنه؟
- لا تكن معقداً جداً. فقط استمع إلى قلبك وثق بعينيك. كفى. حين أصنع فيلماً أعرف المسألة برمتها قبل أن أصوره. في الحقيقة لديّ رؤية قوية لكل أفلامي. وأعرف بوضوح كيف ومتى سأعملها. 
*في فيلم "إدانة" تقول أحدى الشخصيات بأنّ "كل القصص مفككة" ويبدو فيلم "حصان تورينو" وكأنه إدراك أقصى لذلك.
- لا أهتم بالقصص. لم أهتم بها أبداً. كل قصة هي نفسها. حين لا يكون لدينا قصص جديدة. فإننا نعيد القصص نفسها. في الواقع لا اعتقد بأننا حين نصنع فيلماً فإنّ عليك أن تفكر بالقصة. فالفيلم غير القصة. إنه في الغالب صورة وصوت والكثير من العواطف. القصص مجرد تغطي شيئا ما. مع فيلم "إدانة" مثلاً إذا ما كنت محترفاً في ستوديو بهوليود تستطيع أن تروي القصة في 20 دقيقة. إنها بسيطة. لماذا أجعلها طويلة؟ لأني لم أرغب في إظهار القصة لك. أردت أن أظهر حياة هذا الرجل. 
*أنت غير كبير في تدريب الممثلين!
- حين أصنع مشهداً أخلق مواقف واقعية وأعرف كيف سيكون رد فعلهم. عليك أن تعرف كيف تكون ردود أفعالهم لأنّ عليهم أن يكونوا في الموقف. تستطيع أن تحصل على عواطف حقيقية- الغضب والفرح- من عيونهم. 
*من الأرجح أنك أصبحت منزعجاً من السؤال عن اللقطات الطويلة في أفلامك...
- نعم أصبت بالجنون بسبب ذلك. لقد أجبت عنه آلاف المرات. فاللقطة الطويلة يمكن أن تكون مثل اللقطة القصيرة. الفرق أنك تنقح في الكاميرا. تضع الكلوز آب واللقطة الواسعة معاً. إنك لديك توتر مميز ما بين الممثلين والكاميرا. وذلك السبب في تفضيلي إياها. 
*تسمح الكاميرات الرقمية بلقطات أطول. فهل فكرت في التصوير بكاميرات رقمية؟ 
- كلا. أفضل كاميرا 35 ملم. السليلويد بالنسبة لي هي الأهم. 
*هل تعتقد أن هناك أسبابا جيدة وراء استعمال المخرجين للكاميرات الرقمية في تصوير مشاريعهم؟ 
- نعم بالطبع، لكن يجب أن لا يتظاهروا بأن هذا فيلم. يستطيعون أن يقولوا هذه تقنية جديدة. وعلى التقنية الجديدة أن تمتلك لغة جديدة. ذلك ما أفضل، حين تشتغل على لغة جديدة. لا تقل هذا فيلم جديد. فعلى الفيديو أن يجد لغة جديدة لأنها تقنية جديدة. 
*ماذا تشعر إزاء الناس الذين يشاهدون أفلامك على منصات تختلف عن الشاشة الكبيرة؟
- أكره ذلك. مثلاً ، سمعت شخصاً يشاهد فيلم "تانغو الشيطان" على الموبايل. وذلك ما آلمني. إنه مخطط ومصور من أجل العرض على الشاشة الكبيرة
*أفلامك هادئة وتجارب تأملية تقريباً. فهل تشعر بذلك في الموقع؟
- كلا! أفلامي ليست تأملية. عليك أن تحمل كل شيء في يديك. صناعة الأفلام عمل مريع ودائماً تكافح مع المناخ والزمن وموقف المال. حين تكون في الموقع فليس لديك الوقت لأي جهد فكري. عليك أن تتقدم. حين تعرف ما تريد عليك أن لا تتوقف قبل أن تحصل ما تريد. 
*هل تعطي هذه الأنواع من الدروس إلى الفصول الدراسية؟
- أؤسس مدرسة للفيلم في كرواتيا كما تكلمنا. حين أعلم فإن طلابي من الشباب يصورون أفلامهم الخاصة. أحاول أن أساعدهم على تطوير شيء داخلهم ربما ليس لديهم الشجاعة لإدراكها أو أنهم لا يعرفون كيف يوضحون أنفسهم. أنا أدفعهم فقط كي يجدوا لغتهم الخاصة. لا أعلمهم أبداً لغة أفلامي لأن كل مخرج له لغة مختلفة وثقافة مختلفة وخلفية مختلفة وتاريخ مختلف وميزانية مختلفة. لا تستطيع أن تقارن هذه الأمور. لكني أستطيع أن أدفعهم ليكونوا أنفسهم ويصنعوا شيئاً شخصياَ. سأساعدهم إن كانت لديهم شكوك.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

أوس الخفاجي: إيران سمحت باستهداف نصر الله وسقوط سوريا

عقوبات قانونية "مشددة" لمنع الاعتداء على الأطباء.. غياب الرادع يفاقم المآسي

مدير الكمارك السابق يخرج عن صمته: دخلاء على مهنة الصحافة يحاولون النيل مني

هزة أرضية جنوب أربيل

مسعود بارزاني يوجه رسالة إلى الحكومة السورية الجديدة

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

السينما كفن كافكاوي

مهرجان الجونة السينمائي يعلن عن مواعيد دورته الثامنة

مقالات ذات صلة

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية
سينما

وفاة ديڤيد لينش فنان الرؤى المميّزة.. وأيقونة السينما الاميركية

متابعة المدىوديفيد كيث لينش صانع أفلام وفنان تشكيلي وموسيقي وممثل أمريكي. نال استحسانًا لأفلامه، والتي غالبًا ما تتميز بصفاتها السريالية الشبيهة بالأحلام. في مسيرة مهنية امتدت لأكثر من خمسين عامًا، حصل على العديد من...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram