TOP

جريدة المدى > مقالات واعمدة ارشيف > صكوك مصدقة

صكوك مصدقة

نشر في: 6 ديسمبر, 2009: 05:56 م

كاظم الجماسيبين حشد هنا وحشد هناك، يقف رئيس الحزب، الكتلة، التيار، الحركة، الجماعة، التجمع،...، تتدفق الكلمات من فمه كنافورة ماء عذب، والحشد منصت.. انامله الرقيقة المترفة النظيفة مثل بياض القطن، تجسد معاني مايقول ببراعة لايدركها راقص الباليه، والحشد منصت، وجهه البض السمين الذي يفيض مرة ورعا وسماحة، واخرى تعاطفا واشفاقا، يرسل دلالات مكتنزة بالمحبة والسلام..،
والحشد منصت، يقف على المنصة او الخشبة، بسيطا بساطة وعي المحتشدين من حوله، يرسم بالكلمات(الصادقات) جنائن ورياض ومنتجعات توشك ان تتحقق!! لمهارة رسامها المميزة، والحشد منصت، من فيض(سخائه) يتكرم بمنح مستمعيه مرة(صوبات) تشيع فيهم دفء المستقبل الباهر، واخرى العاب اطفال املا، ليس بكسب اصواتهم فقط، بل ضمانا لكسب اصوات ابنائهم ايضا، ومرات يدس بين ايديهم مغلفات تبوح ببريق ما تحتويه،.. والحشد منصت. وافراد ذلك الحشد يشتد فيهم جوع وعري وعوز منذ ان شاءت اقدارهم ان يصيروا عراقيين، نهشت منهم حماقات الطغاة كثيرا وسلبتهم احدى الهبتين، هبة الحياة أذ وارتهم المقابر او اقبية التعذيب المميتة، وهبة الانسانية اذ مسختهم عهود الاستبداد..ولم تزل..حتى امسوا سلبيين فاقدين لحق الاختيار ومن قبله قدرة التمييز والفرز.. الامر الذي راح يسمح لكل خائض من الخائضين، بأن يلعب دور المنقذ ويوهم الحشود المسلوبة الارادة ان في جعبته كل المفاتيح لما استغلق من المشكلات، ويلبس مسوح الرهبان الذين يمتلكون صكوك الغفران... الحال في بعض من ملامحه يشبه الى حد ما سوق يتبارى فيها الباعة، ربما تذكرنا بسوق عكاظ، او مربد البصرة، او- مع الفارق- بأسواق النخاسة في بغداد، حشد هنا وحشد هناك، يخطب البائع، وبلسان ذرب، بين جمهرة المستمعين، واعدا إياهم بإيام باسمات مقبلات، وداعيا اياهم منحه الثقة المطلقة بوضع اصواتهم في صندوق وعوده الذي سيجعل احلامهم واقعا مجسدا على الارض، حتى ايقنوا ان ذلك الصندوق ليس سوى (صندوق الدنيا) او قاصة التوفير التي سيدحسون صكوك وعوده فيها، موقنين آمنين.. في موسم تجارة كسب الاصوات الماضي، كان الحال مختلفا اشد الاختلاف، كان العراقيون مثخنين بالجراح ومثقلين بالاوجاع، وفي الوقت عينه طافحين ببهجة الخلاص من الليل الحالك السواد للاستبداد، فضلا عن لذة ممارسة الاختيار للمرة الاولى في مسار اعمارهم واعمار ابائهم وربما في مسار اعمار اجدادهم ايضا. لذا هرعوا منومين اومخدرين بحلم الغد الزاهرالوردي، الى (قاصات) الاقتراع متحدين الموت الشاخص في كل عطفة شارع او زاوية طريق، نضحوا دما طاهرا قبل ان ينضحوا عرقا زكيا، وانتصروا على غيلان الظلام وسعالي الارهاب حين وكدوا كينونتهم كبشر مثلهم مثل حال السعداء من اهل الارض.. هذا الموسم يردد العراقيون في الشارع واماكن العمل والمقاهي والحانات ومحلات السكن وحيثما اجتمعوا، يائسين بعض الشيء، وحانقين بعض الشيء، وحذرين غالبا، يرددون(لافائدة...)، اذ تبين لهم ان صكوك الوعود التي منوا النفس بجني فوائدها فضلا عن عوائدها في حصاد الموسم الفائت، ليس من رصيد لها، ولم يك هذا فقط.. بل كلفتهم مصائب فوق مصائبهم، واطاحت بأحلى ماحلموا به وتمنوه، وراح القنوط يتلبس كثيرا منهم.. هذا الموسم يراهن العراقيون على صكوك الشرفاء الذين لم يمنحوا فرصهم المناسبة، لاسباب مختلفة ليس مجال ذكرها هنا، اولئك الذين تصدوا حقا ببسالة مشهودة طيلة عقود من مكابدة عسف وجرم الاستبداد المدفور، وكانوا على الدوام صوت الشرائح الاكثر مظلومية وغبنا... هذا الموسم فاصلة تاريخية في امتحان (تقرير المصير) ينبغي ان تكون فيه صكوك المرشحين وافرة الرصيد من خدمات ودور سكن واحترام حقيقي لانسانية المواطن، سيما احترام حريته، وكرامته عبر دولة مؤسسات يخضع فيها الجميع، حكاما ومحكومين، سواء بسواء، لسلطة القانون.. هذا الموسم، ينبغي ان تكون كل الصكوك مصدقة، فلم يعد في طاقة العراقي ان يحتمل الزور والبهتان.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

حياتي وموت علي طالب

حياتي وموت علي طالب

غادة العاملي في لحظة تزامنت فيها الحياة مع الموت استعدت ذكريات عشر سنوات ،أو أكثر .. أختصرها الآن في ذاكرتي بالأشهر الثلاثة الأخيرة. حينما اتفقنا أناقرر هو أن يسافر ملبيا الدعوة التي انتظرها لأكثر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram