ليس مفهوماً موقف الرياء الأميركي الأوروبي، واتهام الغرب لدولة الإمارات العربية، بشن ضربات جوية سراً على ميليشيات إسلاموية متطرفة في ليبيا بدعم مصري، واعتبارها ذلك تدخلاً خارجياً في هذا البلد، مُتناسية تدخلها العسكري لإسقاط نظام القذافي، بطريقة أتاحت لهؤلاء المتشددين، وبعضهم ينتمي لفكر القاعدة الظلامي، العبث بأمن المواطن الليبي، الذي خرج "من تحت الدلف لتحت المزراب"، بينما قال ناصر القدوة، مبعوث الجامعة العربية إلى ليبيا، إن الغارات قامت بها طائرات غير عربية، أتت من جهة البحر المتوسط، والأكثر إثارة للسخرية والغضب، إدانة واشنطن وباريس ولندن وبرلين وروما، لما وصفته بالتدخلات الخارجية، التي تغذي الانقسامات في ليبيا.
اعتمدت هذه الدول، التي تبدو حريصة على استمرار فوضى الميليشيات الإسلاموية في ليبيا، على خبر لصحيفة نيويورك تايمز، قالت فيه إن أولى الغارات استهدفت في طرابلس، مواقع للميليشيات ومستودع أسلحة، وتبعتها ثانية استهدفت منصات صواريخ وآليات عسكرية ومستودعاً جنوب العاصمة، وانطلقت المقاتلات من قواعد جوية مصرية، والمثير للانتباه أن واشنطن نأت بنفسها عنها، قبل أن تدينها مؤيدةً اتهام المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، للحكومة والبرلمان الجديد بالتواطؤ في هذه الغارات، التي استهدفت عناصرهم المتمردين على الحكومة المؤقتة، التي تحاول إدارة البلاد من الشرق، لكنها عاجزة عن مواجهة الميليشيات التي تفرض قوانينها، التي ما أنزل الله بها من سلطان.
ليبيا الغارقة في الفوضى منذ سقوط نظام القذافي، بقوة سلاح العالم الغربي قبل ثلاثة أعوام، تعيش اليوم في ظل حكومتين وبرلمانين متنافستين متخاصمين، البرلمان الجديد يرفض أي قرار للقديم المنتهية ولايته، ويؤكد دعمه للجيش ليواصل حربه ضد تحالف الميليشيات الإسلاموية، حتى إرغامهم على وقف القتل وتسليم أسلحتهم، وفي الأثناء فإن جماعة "أنصار الشريعة" المعتنقة لفكر تنظيم القاعدة الإرهابي، تسعى لضم بعض الميليشيات لصفوفها، لشن حرب ضد الشرعية الديموقراطية، فهل هؤلاء من غضب الغرب لأن غارات شُنّت على قواتهم، الراغبة بالزحف على كل شبر من العالم العربي؟ وهل تختلف هذه الغارات عن هجمات الطائرات الأميركية، على مقاتلي داعش في العراق، أو المنوي تنفيذها ضد المتطرفين الإسلاميين في سوريا، تحت غطاء قرار من مجلس الأمن.
معروف أن جيران ليبيا، اتفقوا على عدم التدخل في شؤونها الداخلية، ودعوا إلى حوار وطني، بينما ناشدت هي المجتمع الدولي لمساعدتها في حماية حقولها النفطية وأصول الدولة، لأن إمكانياتها أضعف من أن تمكنها من القيام بالمهمة، ووقف الجماعات المسلحة، المرتبطة بتنظيم الإخوان والقاعدة، وتحظى بدعم سخي من دول إقليمية، تدعم بقوة تولي تنظيم الإخوان الحكم، في الدول التي شهدت تغييرات في السنوات الأخيرة، وتصر على السيطرة على البلاد رغم خسارتها في الانتخابات البرلمانية الأخيرة، بالمقابل تدعم القوى الدولية، ظاهرياً ورياءً، ومعها دول الجوار المتضررة من الفوضى، البرلمان الليبي باعتباره الجهة الوحيدة التي تمثل الشعب، فيما يدعم الإخوان المسلمون وقطر مجموعات "المجاهدين"، الرافضين لعملية الانتقال الديموقراطي، ونتائج الانتخابات التي أنهت حكم الإسلاميين.
منذ حوالي ثلاثة آلاف عام، سجّل المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت جملة في كتاب ملاحظاته، "من ليبيا يأتي الجديد"، ومن يومها والليبيون يتغنون بهذه الجملة، لكن جديدها الوحيد، كان الجماهيرية العظمى وخيمة العقيد، وهو جديد رفضه الليبيون والعالم، بانتظار جديد آخر تتم صياغته بأكثر من مكيال، تعتمد كلها على الرياء، وتفتش عن مصالح لا علاقة لأي مواطن ليبي بها، والواضح حتى اللحظة أن الجديد سيكون "ليبيا دولة فاشلة".
ليبيا وتعدد المكاييل
[post-views]
نشر في: 27 أغسطس, 2014: 09:01 م