كسب الموسيقيون رزقهم سابقاً من وظائف عند الكنيسة أو النبلاء، ومن التدريس ولاحقاً من بيع أعمالهم المطبوعة كذلك. وكان تعامل النبلاء معهم متعالياً في أحسن الأحوال، فهم يعاملون كباقي أفراد الحاشية الذين يسهرون على رعاية وخدمة النبلاء. ولم يكن حال أعظم مو
كسب الموسيقيون رزقهم سابقاً من وظائف عند الكنيسة أو النبلاء، ومن التدريس ولاحقاً من بيع أعمالهم المطبوعة كذلك. وكان تعامل النبلاء معهم متعالياً في أحسن الأحوال، فهم يعاملون كباقي أفراد الحاشية الذين يسهرون على رعاية وخدمة النبلاء. ولم يكن حال أعظم موسيقي في قمة عصر النهضة، الفرنسي الفلمندي جوسكان دي بريه (نحو 1450 – 1521) مختلفاً، رغم الصداقات التي ربطته بالكثير من النبلاء والملوك آنئذ (وقد عمل لدى الكثير منهم في ايطاليا وفرنسا والنمسا). فعندما انتقل دي بريه إلى باريس ليدخل في خدمة الملك لويس الثاني عشر حوالي سنة 1500، وعده الملك بأجر ممتاز. لكنه لسبب ما لم يحصل على أجوره، فعمد إلى تذكير الملك بوعده عبر انتقاء نص من الكتاب المقدس (من المزمور 119 : 49 "اذكر لعبدك القول الذي جعلتني أنتظر".) ولتأليفه موتيت حاز على إعجاب الملك الذي اشتهر بكرمه وشهامته. وقد فهم الملك الرسالة التي حملتها الموسيقى فأمر بدفع مستحقات دي بريه على الفور. كان رد الموسيقي الكبير سريعاً برسالة ثانية، فقد اختار نصاً آخراً من نفس المزمور ليعبر عن امتنانه (119 : 65 "خيراً صنعت مع عبدك يا رب حسب كلامك"). لم يكن في عرف ذلك الزمان الذي تميز بالحكم المطلق أن يقوم الخادم بتذكير المخدوم بالتزاماته أو وعوده، فما يحصل عليه الخادم لا يتعدى مفهوم العطايا أو الإكرامية، وليس حقاً مشروعاً أو بدلاً لقيمة الخدمة التي يقدمها. واللجوء إلى النص المقدس ليس اعتباطيا، فالعلاقة بين النبيل والخادم، المالك والمملوك هي بمثابة العلاقة بين الرب والعبد، فالحاكم هو وكيل الله على الأرض وعلى الناس طاعته.
والموتيت هو أسلوب غنائي لجوقة مغنين متعدد الأصوات نشأ في القرون الوسطى وبلغ ذروته في عصر النهضة، يعتمد التعدد الصوتي (والمصطلح المستعمل هو بوليفونية ويتجلى في السير بخطوط لحنية متعددة في تزامن) دون مصاحبة موسيقية. ويعد الموتيت شكلاً موسيقياً دينياً، تستمد نصوصه تقليدياً من سفر نشيد الإنشاد أو المزامير من العهد القديم. والموتيت هو المقابل الديني لشكل المادريغال الدنيوي الذي يماثله تماماً، خاصة عند بالسترينا (1525 – 1594) آخر أعظم مؤلف موسيقي لعصر النهضة الذي ألف المادريغال والموتيت على السواء.