TOP

جريدة المدى > عام > هل يعود ألق الجامعة والثقافة في العراق؟ .. أنا عندي حلم

هل يعود ألق الجامعة والثقافة في العراق؟ .. أنا عندي حلم

نشر في: 29 أغسطس, 2014: 09:01 م

لقد سمعنا مؤخراً بحصول مجلة (الكوفة) العلمية المحكمة، التي تصدر عن جامعة الكوفة، على المرتبة الأولى بين المجلات العلمية في العراق. هنا، ومع أن للمجلة ولجامعة الكوفة أن تفخرا بهذا، آمل أن لا يزعل المسؤولون عنها، ولا المسؤولون عن الجامعة، وأن لا يُسيئو

لقد سمعنا مؤخراً بحصول مجلة (الكوفة) العلمية المحكمة، التي تصدر عن جامعة الكوفة، على المرتبة الأولى بين المجلات العلمية في العراق. هنا، ومع أن للمجلة ولجامعة الكوفة أن تفخرا بهذا، آمل أن لا يزعل المسؤولون عنها، ولا المسؤولون عن الجامعة، وأن لا يُسيئوا الفهم، إذا قلت يجب عليهم أن لا يبالغوا ولا نبالغ معهم في تلقّي هذا الخبر وفي تقييم المتحقّق، مع إيجابيته بالطبع. فهو مثل حكاية ذلك الطالب الذي طار فرحاً وتباهياً وفخراً بحصوله على المرتبة الأولى على دورته، وحين سأله الآخرون عن عدد طلاب الدورة كان جوابه: طالب واحد. فقد تكون مجلة (الكوفة) الأفضل بين المجلات العلمية العراقية ولكن التي عددها مجلة واحدة، هي مجلة (الكوفة) نفسها فقط، أو بضع مجلات، هي واحدة منها، في أحسن الأحوال.

نعم، يجب أن نواجه الحقيقة بأن العراق يكاد يخلو من المجلات العلمية، وصدقوني أن بعض البحوث التي أتسلمُها، بين الحين والآخر، من بعض الجامعات لتقييمها لغرض الترقية العلمية، وهي منشورة في مجلات (علمية) عراقية، لا تكاد تصل حتى إلى مستوى بحوث تخرج. والأمر ينسحب على الكثير من رسائل الماجستير وأطاريح الدكتوراه، الأمر الذي صار يوقعني في (الإحراج)- تصوّروا!!- لكثرة البحوث التي أرفضها، وكأني أمارس نوعاً من الاضطهاد والقمع، في الوقت الذي تمارس فيه تلك البحوث والرسائل والأطاريح، في الحقيقة، القمع معي. 
إذن، قد تكون (مجلة الكوفة) الوحيدة العلمية حالياً، أو على الأقل واحدة من بضع مجلات، كما قلنا، وهذا على أية حال يعطيها الحق بأن تفتخر. لكنّ حالها هو مثل حال جامعة الكوفة نفسها حين احتلت، قبل سنتين أو ثلاث، المرتبة الأولى على الجامعات العراقية، ضمن أحد أهم التصنيفات الأكاديمية العالمية (ويب ماتركس)، وحين تحرّينا عن أصل تصنيفها ذاك وجدنا حالها تقترب من حال ذلك الطالب الذي حقّق المركز الأول على دورة ضمّت طالباً واحدا. فقد ظهر أنها فعلاً قد احتلت المرتبة الأولى عراقياً، ولكن بين جامعات فقدت الكثير من أكاديميتها، ولهذا هي حينها احتلّت عالمياً المرتبة (7353)، بينما احتلت جامعة بغداد المرتبة (10673) وكل ذلك ضمن ما يزيد بقليل على (12) ألف جامعة فقط. ولكي نفهم الصورة جيداً، لنا أن نعرف مراكز بعض الجامعات العربية ضمن هذا التصنيف، فمنها: الملك سعود (236)، وقطر (503)، والملك سعود (504)، والملك عبد العزيز (701)، والقاهرة (800)، والمنصورة (1136)، وأم القرى (1165). والأمريكية في بيروت (1238). 
والآن، هل يمكن أن تتصوروا حجم الكوميديا وحجم المأساة، على حد سواء؟.. حسناً، إن هذا يعني أن غالبية جامعاتنا اقتربت من ذيل القائمة، لتلتقي، في هذا، مع كل شيء (حققه) العراق في ظل حكم السيد المالكي: الشفافية، والصحة، والأمن، والمدن، والاستثمار، والكهرباء، وأوضاع الصحفيين، والحقوق المدنية، وأوضاع المرأة.. مقابل احتلاله قمة القائمة في الفساد الحكومي، وخطورة المعيشة، وأحكام الإعدام، وأعداد المعتقلين.. وكل ما يخطر في بالكم مما يخرج معه السيد المالكي بخطاب التنحية- وليس التنحّي- الذي هو أحد أسوء خطاباته، ليفخر بـ(منجزاته)!!.
تكفينا هنا مقارنة بسيطة بين واقع التصنيف العالمي، وواقع تصنيف بعض الجامعات العربية، وواقع تصنيف الجامعات العراقية، لنعرف الحقيقة المرّة التي يجب أن لا نغمض أعيننا عنها، كما تفعل المؤسسات الرسمية ويفعل بعض مسؤولينا وأساتذتها، بل مواجهتها بشجاعة والاعتراف بأنها جزء من حقيقة سلبية أكبر، هي واقع التعليم العالي، إلى جانب التربية والثقافة، في العراق، وهي المواجهة الوحيدة التي تُمكّننا من التجاوز، إن أردنا فعلاً تجاوز هذا الواقع، كما بدأت بوادر مثل هذه الإرادة فعلاً، ولكن بشكل متواضع، مع انتهاء الحرب الطائفية، وتحديداً عام 2008، قبل أن يتلوه التراجع المؤلم في ميادين التربية والتعليم العالي والثقافة التي نحن فيها الآن.
الواقع أن هذا التراجع قاد إلى تراجع أحلامنا التي بدأت ترتسم من جديد بعد انتهاء الحرب الطائفية، وهو ما قادني شخصياً أخيراً إلى التهيّؤ لمغادرة العراق واستلام عمل أكاديمي جديد في مكان آخر، قبل أن أؤجل قراري مع بوادر زوال الكابوس بتنحية السيد المالكي، وأنا أستعيد مقولة مارتن لوثر كنغ "أنا عندي حلم" I have a dream، فأحلم حلماً وردياً للعراق، ولاسيما للوزارتين اللتين تهمّاننا نحن المثقفين، الثقافة والتعليم العالي، ومعهما التربية. فقد سبق لي مع بدء حكومة السيد المالكي، وتحديداً بداية 2011، أن قلت الآتي، في حوار أجرته معي مجلة (الشبكة) العراقية: "لأننا معنيون بالقطاعين الأكاديمي والثقافي، أتمنى في ظل وزارة المالكي الجديدة أن تسير الأمور بأفضل مما كانتا عليه، من خلال أن تسترد الأكاديمية ما فقدتْه خلال سنوات الحصار وما بعدها من سياقاتها السليمة، وأن تسترد الثقافة ولاسيما في مجال الكتاب ونشره وجهَها السليم. فهل سيفعل وزيرا التعليم العالي والثقافة ذلك؟ أتمنى هذا وإن لم أكن متفائلاً."
وفعلاً كان عدم تفاؤلي في محله، فشهدت الوزارتان، وإلى جانبهما وزارة التربية، أكثر مراحل تمرّان بها تراجعاً خلال عقود. وعليه ومرة أخرى، هل لي أن أحلم من جديد بأن تستأنف هذه الوزارات المسيرة من جديد، بعد بضع سنوات من تراجع ازداد حتى عما كان موجوداً قبل ذلك؟ هل لي أن أحلم بتولّي وزارة الثقافة مثقف لتبعد الطفيليين عن الثقافة وتؤسس لمسيرة ثقافية عراقية وعربية من جديد، وتنقذ الكتاب والمسرح والفنون؟ وبتولّي وزارة التربية تربوي لتستعيد تربويتها وتستعيد الطالب العراقي الذي طالما عرفناه متميزاً عن أقرانه؟ وبتولي وزارة التعليم العالي أكاديمي جديد تستعيد معه وزارتنا السياقات الأكاديمية التي غادرت معظمها خلال السنوات القليلة السابقة، وتنصف الأستاذ الجامعي من وسائل شلّه، وتعيد الكفاءات التي ضحت بها حين استغنت عنها وأهدتها بكرم منقطع النظير لجامعات العالم، وهل لي أن أمدّ حلمي ليشمل رئيساً جديداً لجامعة بغداد؟.. وهل يغفر مارتن لوثر كنغ لي استعارة مقولته: أنا عندي حلم؟.. نعم أنا عندي حلم بذلك. 
ونعود إلى جامعة الكوفة ومجلتها، فنقرّ بأنّ لهما الحق بأن يفخرا بكل تأكيد، ولكن، مرة أخرى، يجب عدم المبالغة، وأن يضعا المتحقق في نصابه، وعدم عدّ هذا إنجازاً، بل أنْ يكون دافعاً لتحقيق الإنجاز، وبين هذا وذاك فرق. مع تمنياتي الصادقة في تطور أفضل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د. عباس عبيد السّاعديّ

    الأستاذ الفاضل نجم عبد الله المحترم وضعت يدك على جراح تنزف منذ سنوات عجاف تتوجت بالوزارة الأخيرة ، نحن ضائعون ياصديقي ، نبحث عن أمل ضائع ،بعدما سيطرة رؤية الانتقام فترى رؤساء الجامعات حينما يتم تداول الإدارة نرى عمق الانتقام من الآخر وكذلك العمادات وحدث و

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

موسيقى الاحد: 14 رسالة عن الموسيقى العربية

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

حينَ تَشْتَبِكُ الأقاويلُ

رواء الجصاني: مركز الجواهري في براغ تأسس بفضل الكثير من محبي الشاعر

ملعون دوستويفسكي.. رواية مغمورة في الواقع الأفغاني

مقالات ذات صلة

علم القصة - الذكاء السردي
عام

علم القصة - الذكاء السردي

آنغوس فليتشرترجمة: لطفيّة الدليميالقسم الثاني (الأخير)منطق الفلاسفةظهر الفلاسفة منذ أكثر من خمسة آلاف عام في كلّ أنحاء العالم. ظهروا في سومر الرافدينية، وخلال حكم السلالة الخامسة في مصر الفرعونية، وفي بلاد الهند إبان العصر...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram