TOP

جريدة المدى > تشكيل وعمارة > صبيح كلش.. إغواءات الهواية.. إغراءات الاحتراف

صبيح كلش.. إغواءات الهواية.. إغراءات الاحتراف

نشر في: 29 أغسطس, 2014: 09:01 م

لعل المتتبع لخيوط تجربة الفنان التشكيلي(د.صبيح كلش)،سيلمس -وعلى طول امتداد شروط ونباهة وعيه العملي- مدى شدة ولعه وجدارة حرصه على ضرورات تعميد وجوده الفني بينابيع الدراسة المكثفة والمستمرة،بغية ترسيم حدود تلك التجربة التي فرضت وجودها بيقن وثبات خاصين

لعل المتتبع لخيوط تجربة الفنان التشكيلي(د.صبيح كلش)،سيلمس -وعلى طول امتداد شروط ونباهة وعيه العملي- مدى شدة ولعه وجدارة حرصه على ضرورات تعميد وجوده الفني بينابيع الدراسة المكثفة والمستمرة،بغية ترسيم حدود تلك التجربة التي فرضت وجودها بيقن وثبات خاصين بها،دون أن تأبه بأدنى تدافع وتصارع واستنفار- ضمني وعلني-،ربما كان من شأنه أن يعمق من درجات وجوده على نحو آخر ومغاير-تماما- بل فضل(كلش) أن يبقى بعيدا عن أي تصادم مع التجارب الأخرى التي جايلت تجربته أو التي سبقتها بسنوات،حيث كانٍ الصراع قائما ومحتدما على أشده بين صفوف عدد كبير من الأسماء التشكيلية المعروفة التي درست خارج العراق ثم عادت معتدة بما حملت من قطاف دراستها في عدد من دول أوروبا،والبعض منها في أميركا،فضلا عن تلافي الفنان(صبيح كلش)عن صيغ التحارب التي كانت سائدة-آنذاك-مابين مختلف الأجيال،فيما كان يرنو(هو)نحو تعبيد وبلورة ملامح وخصوصيات تجربته،ويحث بها سعيا بعد بلوغها سن الرشد الفني،تعمقا بالدراسة الأكاديمية،وبالقدر الذي ألزمه ثقة مسك العصا من منتصفها،وصولا الى مبتغى النجاح في منهجه العملي،حيث أقام معرضه الشخصي الأول على قاعة(براتسلافا)-تشيكوسلوفاكيا/سابقا في نفس عام حصوله على(الدبلوم)من معهد الفنون الجميلة ببغداد/1970ومتممات نواحي الدراسة بنهجها العلمي والأكاديمي الرصين بعد حصوله على شهادة البكالوريوس من جامعة بغداد-كلية الفنون الجميلة/1974،وليبدأ قطاف حصوله على الجوائز إبان نيله الجائزة الأولى في مسابقة الإعلان بمناسبة(يوم المرأة العالمي) بغداد/1975.
شاء بعدها، الإلتفات- بجدية أعمق- نحو منح خواص طموحاته وتطلعات دوافعه الطبيعية وحاجاته الإبداعية دفقا ودفعا أعم وأبعد،عبرنيل شهادة (دبلوم عالي)من المدرسة العليا للفنون لجميلة(البوزار)باريس/1981/ ثم دبلوم الدراسات المعمقة-جامعة السوربون-باريس/1983/ تلتها درجة الدكتوراه في تأريخ الفن المعاصر-جامعة السوربون-باريس/1989-أيضا-،ولتشهد تلك الفترة وما تلتها من تغييرات ظروف وتقلبات أحوال إقامة أكثر من عشرة معارض شخصية مهمة في بغداد/باريس/أربد/عمان/مسقط/دبي/أبو ظبي،ولعل آخرها كان المعرض الذي أقامه في نيسان/2014 على قاعة(أكد للفنون) ببغداد تحت عنوان(نوافذ الغربة) والذي حمل الرقم(11)في قائمة معارضه الشخصية،فضلا عن إسهامات كثيرة جدا في معارض جماعية والمشاركة في عدد من المهرجانات ونيله العديد من الجوائز في المحافل المحلية والعربية.
يصر (د.صبيح كلش) في الإعلان عن نفسه فنانا أكاديميا متميزا،سرى متخذا من الرسم مرآة لروحه،وتعويضا خالصا لذاته التي تفهمت لدورها بخصوص التدريس في الجامعة،مع حاصل ضرورات الفصل،فيما يخص موهبته المتقدمة في الرسم التي تراوحت ما بين الامتثال نحو اغواءات(الهواية)وبراءة أهوائها النبيلة،وما بين تطويق إغراءات (الاحتراف) بالابتعاد عن تلاطم أمواجه في لجج تصارع محموم.
لقد ظل الفنان ممسكا ومتماسكا... وفيا،مخلصا لذاته الفنية،حريصا في التعبير عن دواخله وصدق مكامن ما يسكنه من ولع معلن ،وفهم متقن لقيمة الفن،مجردا من كل دواعي ونواحي الإفصاح عن غايات مخاتلة،وأحيانا دنيئة،في صلف توجهاتها وطرق تمريراتها وصولا لتلك الغايات،في فهو رسام لا يرسم إلإ مع ما يتسق ويتلاءم تواصلا مع خوالص ونقاء تلك الذات التي تتطلع للجمال ،شغوفا و شفافا... حرا...طليقا...رافضا،لكل غوايات الترويج المخادع،أوالتنازل عن أدنى فهم لما تصبو اليه محاولات ومساعي التجريب الأصيل والحقيقي،وصيغ تعميق الفن صنوا للحياة،متخذا من الإنسان وقضاياه جهدا وانشغالا حميميا،صادقا في تبني تقوية مساند تحدياته في مواجهة الصعاب،من مخاوف شتى،متمثلة بكوابيس غربة وترحال وفقدانات أحبة،وخذلان أحلام وتورمات أمنيات ،وضياعات مستمرة ودائمة،وخسارات متكررة، لا يمكن أن يوقف زحفها إلا الإيمان الفعلي بالرسم ملاذا وخلاصا.
أن من يتتبع دفاعات(صبيح كلش) بالرسم،سيشعر بحيوية تنامي مشهده البصري واهتمامه الدائم والمقصود بتفعيل دور التفاصيل والمدركات النابضة،والسابحة في أتون لوحاته،التي تهتم بالمركز،بـ(الفكر)وفي توسيع دائرة وجوده،وسطوة تفرده الشاخص على المساحة، مثلما تهتم اللوحة ببث تلك التفاصيل التي تبدو وكأنها مخلوقات حلمية،وأخرى بهيئات خرافية،تمتلك قدرتها على التماهي والتعبير عن جوهر ذلك الوجود المتداخل مابين موجودات اللوحة،وبما يجعل من أعماله تنمو من داخلها،في داخلها،بحس (بانورامي) يزيد من فعل الحركية الذي يقترب من اللقطة السينمائية في الكثير من الأحوال،فضل خلق نوع من التصارع والتنامي الدرامي داخل منظومة العمل المدروس بعناية،دون أي تفريط بمقومات ومهابة الدرس الأكاديمي الذي أستقى منه الفنان،أولى مسلمات لغة الإعلان عن نفسه،كما أشرنا الى ذلك،ونحن نسعى لتقيم جهد بلاغي-تصويري،كان قد تمرس بالاستحواذ على الحرف(عربيا أو أجنبيا) لصالح تعميق مسارات رؤاه،وسلامة مقاصده التصميمة في تشيد معمار لوحاته المستندة لشروط وعي معرفي،في خلق مناخات ضاجة ومتصارعة-كما نبهنا- في تعظيم دور المركز أو المحور الذي يبغيه،والإبقاء على ترك حواف مساحات هائمة بفضاءات وفراغات محسوبة،من أجل خدمه غرضه الجمالي،وسطوع غاياته في بث وتوريد ما يريد في متون تلك الخطابات البصرية، وبراعة توثيقات وفرتها لنا فرصة ومصادفة وفضول متابعاتنا لمجريات تطورات مراحل تجربته،منذ مطلع ثبوت وصدقية نهج أعماله المتميزة أبان فترة سبعينات القرن الماضي ،وحتى مساعي مهارات تجربة معرضه الشخصي الأخير ببغداد نيسان هذا العام المعنون(نوافذ الغربة)،والذي جاء ليضيء- لنا مجددا- ملامح أخرى من صراحة وصدق مسعاه في التعبير عن أوجاع الغربة وعذاباتها اللامرئية لمن يتوق اليها أو من يحسد من يحيا ويعيش خارج رحم الوطن،فكيف أذا كان هذا الوطن هو العراق ؟ وأن من غادره- طوعا أو اضطرارا- هو(صبيح كلش) الإنسان والفنان، خارج اطار العواطف وسيل المشاعر التقليدية،قريبا من مرايا الذات الواضحة لوجودها،لمواقفها،لمن يرى ويدقق في تخوم مقومات عرضه الشامل،ذلك الذي ترعرع وتنامى في أجواء الغربة، وبمرارة التعويض ودوافع سبل التفكيربحثا عن متسعات،قد تتناسب وقوة سطوة الحنين الطاغي،وهو يشد من أزر علاقات حميمية متأخية،أضحت بمثابة نوافذ جاء يرنو اليها ويتطلع منها(كلش)،وهو يعيد شحن ذاكرته وفق مقدرات وعي تام بأهمية التعبير الحاد والمدهش والمتراص مع جوهر دلالات حانية، وجذابة،ربما لخصت بعض جوانبها نوبات من(نوستالجيا)مرض الحنين الى الوطن،أعمال ذلك المعرض الذي أقيم على قاعة(أكد للفنون).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

امريكا تستعد لاخلاء نحو 153 ألف شخص في لوس أنجلوس جراء الحرائق

التعادل ينهي "ديربي" القوة الجوية والطلبة

القضاء ينقذ البرلمان من "الحرج": تمديد مجلس المفوضين يجنّب العراق الدخول بأزمة سياسية

الفيفا يعاقب اتحاد الكرة التونسي

الغارديان تسلط الضوء على المقابر الجماعية: مليون رفات في العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

إندونيسي يتزوج 87 مرة انتقاماً لحبه الفاشل 

شباب كثر يمرون بتجارب حب وعشق فاشلة، لكن هذا الإندونيسي لم يكن حبه فاشلاً فقط بل زواجه أيضاً، حيث طلبت زوجته الأولى الطلاق بعد عامين فقط من الارتباط به. ولذلك قرر الانتقام بطريقته الخاصة....
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram