في تجربة جديدة يشتغلها الفنان كامل حسين أجدُني اقفُ على حيثياتها ودقائقها , لسببٍ جوهري , هو أنه يعملُ دائماً على فعل المغايرة الادائية في الموضوعة التي لازمته لسنوات طوال , وهذا الاستحداث مكنه لابتكارات جديدة في مضامينه التشكيلية (الثيمية) , الامر ا
في تجربة جديدة يشتغلها الفنان كامل حسين أجدُني اقفُ على حيثياتها ودقائقها , لسببٍ جوهري , هو أنه يعملُ دائماً على فعل المغايرة الادائية في الموضوعة التي لازمته لسنوات طوال , وهذا الاستحداث مكنه لابتكارات جديدة في مضامينه التشكيلية (الثيمية) , الامر الذي جعل اغلب المختصين والعاملين في الميدان التشكيلي يُدركون أهمية مايطرحهُ من اعمال .. على الرغم من سكينتهُ التأملية في ذلك , ما أثارني مؤخراً ان الفنان كامل حسين يستعد لتقديم تجربه شخصية في قادم الايام (معرض شخصي) وهذا ما يُبرهن فاعليته الهائمة في خلق الابتكارات التي ننتظرُها
في الوقت الذي شاهدنا كيف انه اعطى ما هو مختلف بين تجربة واخرى في سنوات العقد الاخير , فنانٌ مثله لابد الغور في تفاصيل أعماله , فمنذُ مراحل اشتغاله على موضوعة الرسم التجريدي المُشبع بأبعاد تعبيرية ورمزية اخذ يعيد تركيباته وثيماته داخل اطار الشكل والموضوع , بل اخذ يفتح حدود الشكل التجريدي بغية الوصول الى معنى جديد ينفرد به , فهو باحث بأداءات الشكل ,وهذه السمة وان كانت مغامرة لكنها تكشف عن وجود مساحات اخرى لم يصل لها فنان آخر , بالاضافة الى ثيمة اللون وبعض التراكيب العجائنية التي يستحضرها , ايضاً مايخص لعبة الاستخدام الّلوني وطريقة توظيفها هارمونياً وعملية تناسق الالوان الحارة مع الباردة , مع التضاد الموظب بشكل أدائي لائق , كل ذلك اعطى مواصفات اللوحة الجديدة لدى الفنان , اتجه الفنان كامل حسين بنظرته منذ فترة طويلة الى الجسد , فكانت جلّ اعماله تنطوي على استلهامات دقيقة لهذهِ الثيمة , بحثاً عن خيوط جمالية يعتقدُها خفية , فهو يهدم ويبني ثم يهدم ويبني , ثم يبتكر , ولعل هذه الدوامة واحدة من مميزات الفنان المعاصر الذي يشتغل على فعل المغايرة او على ماهو جديد .
ان عالم الجسد هو عالم غواية فهو لم يبتعد عن قيد الاكتشاف لمكامن مسكوت عنها نظراً لوجود ثغرات ثابتة يمكن الوصول اليها والعمل على ابراز جمالياتها , وهذا ماعمل عليه العديد من الفنانين التشكيليين , وفنانُنا هذا اصبح همه الكبير في الكشف عن ذلك عبر اسلوبه وآلياته التقنية الخاصة , فكانت أحدى سمات لوحاته الاخيرة انها لم تقف عند حدود المتن والهامش والسواد والبياض , بقدر ما تقف عند سحب الشكل الى منطقة مفتوحة الابعاد , لتكون وحدة الموضوع اكثر اغراء مع فعل الاداء الثيمي داخل اللوحة.
كل محاولات التحول الفني التي تابعتُها في اعمال الفنان شكّلت تحركاً ونزوعاً نحو الوصول الى مفهوم الغاية التي ألحّ كثيراً في اللّف والدوران في عملية الابتكار , وهذا لم يأخذ خطه في التنقيب النقدي , او لم يجد القدر الكافي للتحليل في هكذا تجربه , وهذهِ مسألة شائكة لو تحدثنا في مضامينها , على الرغم من وجود كفاءات نقدية كبيرة في الساحة العراقية يمكن ان تحدد مسارات مهمة في الخطاب التشكيلي العراقي .
من خلال التمعن في الأعمال الفنية الاخيرة فقد اتاحت لنا قدرة الامساك بالرمز الجسدي ذات الصلة بالوجود , لكنه جسد قلقا يريد ان ينتفض باتجاه مرحلة اخرى وحركة مغايرة , فما المخفي الذي ننتظره في هذه الاجساد؟.. فقد اكتفت لان تقدم نفسها على انها مكون جمالي بعيد عن التأثيرات المكانية والموروثات العاكسة عليها , لتبقى هذهِ المسألة مثل قصيدة تحكمها خيوط ذهنية .. فمع اعطاء وظائف اخرى للشكل الجسدي فان اهم ميزة ساهمت في خلق هذه الوظائف هي اللعبة اللونية الجريئة والحذره معاً .. اذاً كيف يمكننا قراءة اشكال فنية تجريدية وهي تتمتع بزحمة الالوان الحارة والباردة وطريقة استخدامها وتدرجها الهارموني , وايضاً لعبة التضاد (الكونتراست) التي لم تغير من ايقاع الشكل ووحدة الموضوع , كل ذلك وضع الفنان امام مواجهة الالوان لخلق معنىً دلالياً مبتكراً , علماً انه استخدم (الاكرلك والزيوت وبعض العجائن) في اعماله , وهي ادوات كل فنان تشكيلي مع الاختلاف في طريقة الاداء في التركيبة والعمل عليها ..
كامل حسين , لايُريدنا أن نخرج عن اجساده , ولا عن تراكيبه اللّونية ليظل هائماً في فضاءات المتخيل بأتجاه تعبيرات واشارات مجددة , لتأخذنا اشكاله الى تماهيات عميقة للحركة للحركة وردة الفعل المفاجئة , بمعنى وجود علاقات ايروتيكية واخرى وظيفية تكتفي بفعل الاشارة الشكلية واعني الاشارة هنا هو اضمار تفاصيل الفعل الحركي داخل كل لوحة بين عناصرها , ولعلني اجزم انه رأي الفنان – قتل الكثير من شخوصة الذين مثلوا قصدية اعماله , فهو بهذا لاتعنيه دقائق اللوحة وابعادها والثيمات الموضوعية فحسب , إنما (أناه) الشاردة باتجاه آفاق رحبه , وهذا القلق سوف لن ينتهي وان استقر على اسلوبه التجريدي المشبع بتعبيرية تشكيلية متداخلة ..
بقيت اشتغالات الفنان ضمن اطار الجسد تنفتح على جدل السؤال وعن كشوفات اخرى تتميز بأحالات خيالية , وفي منطقة اخرى نشعر باغتراب هذه الاشكال لان ملامحها قد ذابت مع مرادفات اخرى , ومهما حافظت على نسقها الّلوني والادائي لكل المفردات المستخدمة , الا اننا سنبقى نُلاحق اعماله مهما تباعدت ومهما استغورت في اعمال شكلية حديثة , لان الهدف الاساس عنده هو ان يكون مختلف في كل مرحلة من مراحله الفنية .
هكذا تمحورت آليات العمل النحتي لدى الفنان باتجاه الجسد , لتكون هناك صلة فنية سحبت تجربته باتجاه ممارسات جمالية تجريدية , تناسقت بفعل التناغم الادائي المتشكل لوحدات الّلون والعجائن والموضوعة , حتى اننا شعرنا بان هذه الوحدات قد خلقت ايقاعاً متناغماً لما هو بصري , ثم نشعر بعد ذلك بوجود فضاء خاص بـ(كامل حسين) يحرك العواطف الهائجة لتجربة تبحث عن تجديد دائم , فالنقاط المضيئة في اعماله ككل , تنطوي على جرأة اللون بأقامة علاقات شكلية هادفة , وفي اعماله بشكل خاص هو اعتماده على شكلية الجسد محاولة منه لجعله مركزاً موضوعياً بحمل جدلية الفكرة التي يريد العمل عليها وابرازها .
كما ينهض الجسد في اعمال الفنان على منحى الإتاحة لمفهوم السؤال , بمعنى حضوره داخل اللّوحة بقصدية الطرح الفلسفي المعبر عن قراءة عميقة لكل الاحالات التي اشتغل عليها وطرحها , وهو بهذا قد نجح كثيراً في جعل العمل التشكيلي قلقاً لدى الآخر , لانه اخذ تعددات جمالية ومساحات تأويلية , ننتظرُ من الفنان ماهو جديد ونقف عند أعماله الاخيرة وقفة نقدية كاشفة لانها تستحق ذلك.