كان ملتحياً ،دلالة على انتسابه إلى حركة دينية معارضة للنظام السابق ... غادر العراق مطاردا منذ سنوات عديدة ثم عاد بعد سقوط النظام ، وكان ملتحياً أيضاً ، ولكن ذقنه كان مشذبا بعناية ووفق الموضة السائدة ،فقد عاد من أوروبا التي استقر فيها طوال أيام غيبته متابطاً ذراع زوجة أوروبية ...لم يعد الذقن مشكلة إذن بالنسبة له بينما كان يمثل مشكلة كبيرة لوالدي الذي كان يلاحق شقيقي رحمه الله خلال فترة الثمانينات مطالبا إياه بحلق ذقنه لكيلا يوضع في قائمة المعارضة الدينية رغم انه كان ابعد مايكون عنها وكم عشق ذقنه ورفض حلاقته لأنه كان فنانا تشكيليا وكان الذقن الطويل مكملا لهوايته وشخصيته ..
في السنوات الأخيرة ، عاد الذقن ليمثل مشكلة كبرى لأصحابه بعد انتشار الحركات الدينية المتطرفة هذه المرة وصار يمكن ان ينال صاحبه جرعات اكبر من التعذيب والإهانة في المعتقلات حتى لو كان بعيدا كل البعد عن التطرف الديني وكم اضطر أصحاب ديانة حقيقية سليمة إلى حلق أذقانهم التي يتشبهون بها بالسنة النبوية ليتجنبوا خطر المداهمات والاعتقالات ..نحن نحكم إذن على المظاهر كما عودتنا ثقافتنا العربية ولم نعمد يوما اللي تحليل سلوك مسؤول ما أو استنتاج ما يختبئ خلف كلماته بل اعتدنا ان نترك لعيوننا وظيفة التمعن في مظهر المسؤول ونحكم بعدها ان كانت ملامحه مقبولة لدينا ، ونترك لآذاننا وظيفة تحليل نبرات صوت المسؤول وان كانت تتهدج تأثرا لما يحدث لشعبه كما نترك لقلوبنا مهمة الشعور بحقيقة عواطف المسؤول حين يذرف الدموع أحيانا فنتعاطف معه على الفور مهما كان غارقا في وحل الكذب السياسي ..
حين اعتلى باراك أوباما مقعد الحكم في الولايات المتحدة ، تصور البعض انه سيغير سياسة أمريكا المتعالية وسيهبط إلى القاع لينتشل منه المظلومين والمحرومين والمهمشين لأنه ينتمي إلى شريحة عانت طويلا من التمييز العنصري والتهميش والظلم ..تصور البعض انه سيسارع إلى حل كل المشاكل العالقة لإنقاذ الشعوب المنكوبة ، لكننا حكمنا على المظهر أيضا ،فالرجل أميركي بمفاهيمه وبرنامجه السياسي الذي يشترط مصلحة أميركا قبل كل شيء ..وحتى لو حاول يوما ان يتدخل في الأزمات بطريقة سلمية وعقلانية فلأن أميركا لا تريد خوض أية حرب خاسرة بعد الآن وليس لأن أوباما رجل مسالم ومتسامح ..
بهذه الطريقة يجري الحكم حاليا على رئيس الوزراء المكلف بتشكيل الحكومة ،فالبعض بات ينظر مليا إلى ملامح العبادي الهادئة ويكاد يجزم انه ( خوش رجل ) وآخرون اعتبروا دراسته الهندسة في بريطانيا نقطة إيجابية ،فهو حتما متحضر وأقل تعصبا من الآخرين..
يكفينا اهتماما بالمظاهر، فالذقن ليس تهمة كما ان الدمعة ليست شعورا صادقا ..نحن بحاجة إلى برامج سياسية ودستور حقيقي يجعل بلدنا هو الحقيقة الوحيدة التي تستحق التضحية من أجلها ، أما السياسيون فهم طارئون مهما طالت أيام حكمهم ولن يعنينا ان تكون ملامحهم بريئة أو أفعالهم نزيهة بل يهمنا ان نلمس نتائج سياستهم على ارض الواقع وان تصب في مصلحة العراق ..العراق فقط ...
الحكم .. على المظاهر
[post-views]
نشر في: 29 أغسطس, 2014: 09:01 م