ما أن صمت السلاح في غزة، ولعلعت زغاريد الحماسيين ابتهاجاً "بنصرهم" المزعوم، وهم يدفنون أكثر من ألفي شهيد، ويُفتشون عن مأوى لآلاف العائلات المُدمّرة بيوتها، حتى انبرت طهران للإعلان عن بدء تسليح الفلسطينيين في الضفة الغربية، مصدر الإعلان هو رئيس مؤسسة تعبئة المستضعفين (الباسيج)، العميد محمد رضا نقدي، فهل يعني ذلك أن علينا انتظار أيام صعبة لفلسطينيي الضفة، تتجاوز قسوتها ما شهده الغزيون، هذا إن تمكن نقدي من تنفيذ وعده، وهو يرى أن "الانتصار" في غزة وجه صفعة لأميركا، وهو بمثابة إلغاء للفكر الباطل الذي تقوم عليه الليبرالية الديمقراطية، ولسنا قادرين على تبين الصلة بين هذا وذاك، في حين يُشيد بإجماع المجتمع الدولي على مساعدة الفلسطينيين، ولسنا على علم إن كان في هذا المجتمع، من لا يعتنق الليبرالية الديمقراطية، إلاّ إن كان لهذا المصطلح عند نقدي، فهم آخر مختلف عن فهمنا.لا يتوقف المسؤول الإيراني عند الكشف عن بدء تسليح فلسطينيي الضفة، ولا نفهم الحكمة في الكشف عن ذلك السر إن كان صحيحاً، فهو مُنتشيا "بهزيمة" إسرائيل، وقد أخذته العزّة بالإثم، يؤكد من على بُعد آلاف الأميال، أن على المستوطنين الصهاينة العودة إلى بلدانهم، وأن تعود فلسطين لشعبها، وأن على الكيان الصهيوني إدراك أن انتصار غزة، سيكون مقدمة لتحقيق انتصارات أكبر، وأن الحرب القادمة لن تبقى حصراً على الحدود الحالية، بل سيفرض المجاهدون عليهم التراجع والهزيمة، وأن تسليح الضفة الغربية سيفضي ببساطة ويسر وسهولة، إلى زوال الكيان الإسرائيلي، ما دام السلاح الذي يقاتل به الفلسطينيون، قد نال بركات المرشد الأعلى، فربح القداسة وتحول إلى حجارة من سجيل، تجعل المعتدين كعصف مأكول، تنفيذاً لما أطلقت حماس على حربها في غزة.
بالرغم من أن حماس أعلنت، ولو بشكل موارب، عدم تلقيها عوناً ملموساً من العرب والمسلمين، وأن أي مساعدة لم تتجاوز التأييد الإعلامي، فإن المسؤول الإيراني يؤكد أن الكثير من الأسلحة التي استخدمت في الحرب الأخيرة، هي من بلاده التي نقلت لحماس ما وصفه بالتكنولوجيا الدفاعية للمقاومة، وكأن هذا التنظيم يحبو خطواته الأولى في هذا المضمار، ويحتاج للتوجيه والتعليم، ولعلّه بقصد أو بدون يقلل من أي دور لقيادة حماس في إدارة المعركة، لكنه وأيضاً ربما دون قصد، يكشف أن الكيان المهزوم بسلاح من صنع إيران، تمكّن من اختراق كل الدفاعات الإيرانية، فوصل بطائرة بدون طيار إلى الأجواء الإيرانية، لكنه يُكابر معتبراً أن هذه محاولة بذلتها إسرائيل، للقول إنها ما تزال على قيد الحياة، إلاّ أن هذا العمل عنده لايشكل مؤشرا على ذلك، ولن تجديها هذه الألاعيب نفعاً، فهل من يدلنا على أن الكيان الصهيوني قد زال من الوجود، لنحتفل مع طهران بهذا الانتصار.
لم تتوقف طهران عند تصريحات مسؤول الباسيج، فقد أصدرت وزارة الخارجية، بيانا اشادت فيه بانتصار المقاومة الفلسطينية، وأكدت أنها سطرت ملحمة جديدة أركعت كيان الاحتلال، لكنها تواضعت فلم تنسب النصر لخططها وسلاحها، فاعترفت أن هذا الانتصار ناتج عن التضحيات التي قدمها الآلاف من الشهداء والجرحى، ودعت الغزيين إلى تقديم المزيد، باعتبار أن ذلك هو الطريق الوحيد لتحقيق حقوق الفلسطينيين، ووعدتهم بالمساعدة في وقت لاحق، لكنها تجاهلت فكرة تقديم أي عون، لإعادة بناء وترميم بيوت حوالي نصف مليون غزي، هدم الانتصار بيوتهم وشردهم، ولا أعلنت تبرعاً لبناء المدارس والمساجد المهدمة، مكتفية بنشوة النصر، في تطبيق كامل للقول المأثور "ما أسهل القول وما أصعب الفعل".
تسليح الضفة إيرانياً!
[post-views]
نشر في: 30 أغسطس, 2014: 09:01 م