TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > هزائم العرب انتصارات

هزائم العرب انتصارات

نشر في: 31 أغسطس, 2014: 09:01 م

بعد كل الهزائم التي مُنيت بها أمتنا العربية، منذ "انتصار" الثورة العربية الكبرى ضد العثمانيين، وما نجم عنه من تقسيم المنطقة إلى دول ما زالت قابلة للمزيد من التقسيم، لم نتعلم قراءة الأحداث بواقعية، ولجأنا بفضل حكامنا الميامين وقادتنا الأشاوس، للمبالغة في تحويل الهزائم إلى انتصارات، ونحن ندفع من دم أبنائنا وثروتنا القومية أثماناً باهظة، ليحتفل القادة العظام بهزائمنا، وهي عندهم انتصارات لمجرد بقائهم حكاماً مطلقين، يرثنا أبناؤهم من بعدهم، ويرثون خيرات الأمة دون وجه حق، ودون حتى أن يقدموا لها خدمة واحدة، وأكبر دليل ما أعلنه الشيخ الحمساوي محمود الزهار، مُعتقداً أن هدف نتنياهو من حربه على غزة، كان القضاء على حماس، التي خرجت من الحرب أقوى من ذي قبل، أي أنها خرجت منتصرة، ويُعيد ذلك إلى الأذهان ما كان أعلنه البعث السوري عام 67، عن خسارة إسرائيل لأن القيادة لم تسقط في تلك الحرب وظلت على كراسيها.
كعادتهم يخلط العرب اليوم بين رغباتهم وواقعهم، هزيمة حزيران 1967 تحولت إلى مجرد نكسة، رغم احتلال سيناء والجولان وما تبقى من فلسطين، والخروج المُذل لصدام من الكويت حمل اسم أم المعارك، رغم تدمير الجيش العراقي، وما تبعها من حصار ذاق ويلاته الشعب العراقي بكل تلاوينه، وحرب تموز 2006 المنتهية بانسحاب عناصر حزب الله من خطوط التماس، وتدمير نصف بيروت تحولت إلى نصر إلهي، وفي حرب أكتوبر 73 التي اعتبرها العرب نصراً، خسرت مصر أراضي جديدة على الضفة الأخرى للقناة في منطقة الدفرسوار واحتلت إسرائيل مزيداً من الأرض في الجولان، وتدمير سوريا وفتح حدودها لداعش وغيرها، سيكون انتصاراً لنظام الأسد، وها نحن أمام انتصار جديد لحماس وإخوانها في حرب غزة، التي أسفرت عن مقتل أكثر من ألفي فلسطيني، مقابل 72 اسرائيلياً، وبغض النظر عن الخسائر المادية بمليارات الدولارات، فإن حماس تحتفل اليوم بانتصارها، رغم أنها لم تحقق معظم شروطها، ورضخت لشروط العدو، التي كانت رفضتها بعد عشرة أيام من الحرب.
ليس هذا جديداً على منطقتنا فمنذ عودة كليوباترا مهزومة وأسطولها قد دمر أمام جحافل روما واستقبالها  بهتاف النصر الذي صدمها قبل أن يشير عليها أحد مستشاري الهزيمة بأن تكذب بخطاب حماسي فقالت.. نصرنا في اكتو يوما... ذكره في الأرض صار، اسألوا أسطول روما ...... هل أذقناه الدمار، واعتبر المسلمون هزيمتهم في معركة مؤتة نصراً مؤزراً كتبوه في سجل انتصارات سيف الله المسلول، والواضح أن أبناء هذه الأمة يواصلون العيش على صدى قصيدة عمرو بن كلثوم التي يتفاخر بها قائلاً " إِذَا بَلَـغَ الفِطَـامَ لَنَا صَبِـيٌّ ... تَخِـرُّ لَهُ الجَبَـابِرُ سَاجِديْنَـا" ويظن كثيرون أن هذه حقيقة لابد من التعامل على أساسها، ولذلك يرفضون فكرة إمكانية هزيمتهم، ويعتبرون ذلك أقرب إلى المستحيلات وهم الذين يظنون في أنفسهم بأنهم على حد قول الشاعر "الجاهلي"
وَأَنَّـا العَاصِمُـوْنَ إِذَا أُطِعْنَـا... وَأَنَّـا العَازِمُـوْنَ إِذَا عُصِيْنَـا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا المَاءَ صَفْـواً... وَيَشْـرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِيْنَـا
 فكيف لمن يواصل العيش في هذه الأجواء قبول فكرة الهزيمة أو الخسارة وهو حفيد صاحب هذه القصيدة.
وهكذا تتواصل انتصاراتنا الوهمية، فينام على حريرها القادة المُلهمون، بينما يتلظى الفقراء بلفح هجيرها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: في محبة فيروز

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

العمودالثامن: في محبة فيروز

 علي حسين اسمحوا لي اليوم أن أترك هموم بلاد الرافدين التي تعيش مرحلة انتصار محمود المشهداني وعودته سالما غانما الى كرسي رئاسة البرلمان لكي يبدا تطبيق نظريته في " التفليش " ، وأخصص...
علي حسين

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

 لطفية الدليمي العلمُ منطقة اشتغال مليئة بالسحر؛ لكن أيُّ سحر هذا؟ هو سحرٌ متسربلٌ بكناية إستعارية أو مجازية. نقول مثلاً عن قطعة بديعة من الكتابة البليغة (إنّها السحر الحلال). هكذا هو الأمر مع...
لطفية الدليمي

قناطر: أثرُ الطبيعة في حياة وشعر الخَصيبيِّين*

طالب عبد العزيز أنا مخلوق يحبُّ المطر بكل ما فيه، وأعشق الطبيعة حدَّ الجنون، لذا كانت الآلهةُ قد ترفقت بي يوم التاسع عشر من تشرين الثاني، لتكون مناسبة كتابة الورقة هذه هي الاجمل. أكتب...
طالب عبد العزيز

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

إياد العنبر لم تتفق الطبقة الحاكمة مع الجمهور إلا بوجود خلل في نظام الحكم السياسي بالعراق الذي تشكل بعد 2003. لكن هذا الاتفاق لا يصمد كثيرا أمام التفاصيل، فالجمهور ينتقد السياسيين والأحزاب والانتخابات والبرلمان...
اياد العنبر
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram